الدعوة لإمبراطورية إسلامية هي الوجه الآخر لدعوة الخلافة، حتى ولو افترق المعتقد المذهبي عند الفريقين. كل منهما يُخضع الحاضر للماضي، ويعيش في الماضي. كل منهما يعلي شأن الأمة على الدولة لأن المعتقد في نظره هو ما يكوِّن الأمة، أو ما يجب ان يشكلها. تنتشر القواعد الأميركية في المشرق العربي، ويدعو بعض سكانه للخلافة والبعض للإمبراطورية. الجارة تركيا عضو في الحلف الأطلسي، ففيها قواعد أطلسية. أما إيران فهي تفاوض الأميركيين ليس على ما يجري في أميركا بل على ما يجري، وعلى ما يجب ان يجري، في إيران. وإذا انتهى التفاوض إلى اتفاق فسيكون هناك «قواعد» للتفتيش. وسيكون هناك نقص في سيادة الدولة، فأية إمبراطورية يتحدث عنها أولئك؟ المفاوضات النووية الجارية لا تحدث بين قوى متكافئة حتى ولو طال أمدها. هي مفاوضات تجري تحت ضغط العقوبات، ويقال ان العقوبات سوف تزداد شدة إذا لم تؤد المفاوضات إلى نتائج مرضية للطرف الأميركي. الموقف الأميركي ـ الإسرائيلي يعبر عن عنصرية تجاه إيران، دولة وشعباً. والموقف الإيراني يحق له بما سمح النظام العالمي لإسرائيل وباكستان. والحالة المثلى هي عندما يتخلى الجميع عن السلاح النووي بما في ذلك الإمبراطورية والدول العظمى. أما تعبير الإمبراطورية، فإن القوة العظمى التي تتربع على رأس هذا النظام العالمي، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، هي الولايات المتحدة التي تأنف من استخدام التعبير لوصف نفسها، في الوقت الذي تمتلك قواعد حول العالم، وتعتبر كل ما يجري على الكرة الأرضية يمس مصالحها القومية، سلباً أو إيجاباً. والمعروف ان الجيش الأميركي يقسم الكرة الأرضية إلى ست مناطق لكل واحدة قيادة وقسم من الجيش مختص بها. الذين يعادون الإمبريالية والنظام العالمي يستخدمون تعبير الإمبراطورية لوصف الولايات المتحدة. والاستخدام هنا هو بمثابة السبَّة. يَلعن «الشيطان الأكبر» لأنه إمبراطورية، تعتدي بالتفاوض أو القوة العسكرية أو العقوبات الاقتصادية على حدود الدول الأخرى وسيادتها. لم تعد «الإمبراطورية» وصفاً للذات بما يمكن التباهي به في القرن الواحد والعشرين. تنهار الدول العربية، كمؤسسات ومجتمعات، منذ ثورة 2011. لا يمكن للدول العربية الحالية احتواء هذا الوضع. ولا يمكن للولايات المتحدة كذلك ان تعيد سيطرتها كما في عهد التحالف مع الاستبداد، قبل 2011. فهل تستعين الإمبراطورية بالدول الإسلامية المجاورة، بما في ذلك إيران وتركيا، لفرض نوع من الاستقرار الذي أصبح مستحيلاً من دون حد أدنى من الحريات للشعوب العربية، ومن دون ما يحقق لهذه الدول العربية حداً أدنى من الشرعية التي يصعب تأكيدها إلا برضى الشعوب؟ المعروف ان النظام الدولي تشكل عقب معاهدة وستفاليا في العام 1648 ما استدعى ذلك هو الحروب الدينية التي استنفدت قوى أوروبا والتي دامت ثلاثين عاماً. والمعروف أيضاً ان الدول التي تشكلت بعد ذلك، إما بالغلبة أو بقرارات دولية، ذات حدود لا تتغير إلا عقب حروب عالمية. فهل يعبر مطلب الإمبراطورية عن النية في شن حرب عالمية في المنطقة العربية؟ هناك التحالف العالمي ضد الإرهاب. ألا يكفي ذلك؟ إذا كان المطلوب تغيير حدود دول عربية ما، فإن لهذه الدول مطالب في بلدان مجاورة. ولا ننسى انه قد اقتطعت من بعض هذه الدول أقاليم معينة في فترة التحضير للحرب العالمية الثانية. ألا تستدعي أوضاع المنطقة، بما في ذلك الدول المحيطة بالبلدان العربية، بناء مجتمعات ذات دول، بدل ان تكون دولاً هي مجرد أنظمة ذات مجتمعات تعاني جميعها من الانقسامات الطبقية والدينية والقومية. وهل مكتوب لنا ان نضيف المذهبية على تلك الانقسامات؟ كل الدول المعنية تقبع دون الوسط في سلم الارتقاء الاجتماعي والاقتصادي. الدخل الفردي، بما في ذلك النفط، هو دون ما في الإمبراطورية الأميركية، ودون ما في الدول العظمى كفرنسا وبريطانيا والمانيا، الخ... هو دون الغرب بكثير. أما وتائر النمو والتقدم فهي دون دول شرقي آسيا أيضاً. فهل نتعلم من تجربة هذه البلدان أو تلك؟ في البلدان العربية حروب أهلية. هي عقوبة نزلت بها نتيجة ثورة 2011، لعوامل داخلية وخارجية. المعروف انه في الحروب الأهلية لا يخرج أحد منتصراً. والذين يتدخلون من الخارج لا ينتصرون أيضاً. لا ينعم أحد بالحروب الأهلية العربية إلا إسرائيل. مشاريعها لما بعد دمار الحرب الأهلية جاهزة. منها الاقتصادي ومنها غير ذلك. لا يكون المشروع المعادي لإسرائيل والإمبراطورية جدياً بإثارة نعرات قومية، من أي نوع كانت. *نقلا عن "السفير"