الخوف واحد من أهم الغرائز البشرية التي أودعها الخالق في الإنسان، وبناء على هذه الغريزة، وحولها، وبسببها، اختار الإنسان طريقة عيشه، وحدد أسلوب معيشته. فمن الخوف من العراء بنا الإنسان بيته، ومن الخوف من السماء، مطراً وشمسا وريحاً، جاء السقف، ومن الخوف من الوحدة جاء الجيران، فالحي، فالقبيلة.
ومن الخوف من الفوضى جاءت الدولة، ومن الخوف من التسلط جاءت القوانين.
ولعلي لا أبالغ حين أقول إن غريزة الخوف، التي تحرّك الإنسان لبناء حياته بحثاً عن الأمان، هي قصة كبرى من قصص التحول البشري، والإنساني، وتعتبر محركاً قوي التأثير في مسيرة أي شعب.
ولذلك كان رأيي أن الخوف من مشروع رؤية السعودية2030 له ما يبرره، ذلك أن الخوف غريزة أساسية في داخل المخلوقات جميعها، بل هي قرن الاستشعار الأول في النفس والروح . ولعل الخوف من الرؤية أنها كانت مشروعاً أجمل من الحلم، وأكبر من التخيل.
ولا زلت أراهن على أن حركة تواصلية ضخمة، وتسويقية ذكية، كفيلة بإذابة هذا الهاجس، وتحويله إلى محرك متوقد للطموح.
مع انهيار أسعار النفط، ومنافسة بدائله، تبدو السعودية وكأنها سيارة تسير ضمن حدود السرعة القانونية، ولكن أمامها منعطف حاد، والخيارات محدودة: إما الاصطدام والدمار الكلي، أو الالتفاف الحاد لتجاوز الكارثة، ولاحقاً يمكن إصلاح ما تضرر من هيكل السيارة.
وهذا بالفعل ما تهدف له الرؤية بكل بساطة.
ولكن هل تحتاج السعودية إلى مشروع كهذا؟
كان هذا هو سؤال المليون دولار الذي فتح بوابات الحوار على مصراعيها في الصحف، وقنوات التلفزة، وكذلك المجالس، والصوالين السعودية.
ولعلي أقتطف إجابات توصلت إليها من خلال لقاءات وأحاديث مع مجموعة من النخب، والمطلعين. ليست حقائق مطلقة بل اجتهادات صحافي وباحث، وربما تكون منصة حوار مع المهتمين.
رؤية السعودية 2030 ضرورة وليست خيارا، فبدون مشروع إصلاحي للاقتصاد السعودي فإن عواقب المستقبل ستكون وخيمة جداً على البلاد والعباد. وسوف تزداد سلبياتها حين يقل الاهتمام العالمي بالنفط، ويتحول إلى سلعة لا قيمة لها. يوماً ما سيكون النفط كالملح والبهارات وغيرها، عنصراً كان بإمكانه تحريك الأساطيل والجيوش للحفاظ عليه، ومن ثم تحول إلى سلعة لا تحرك إلا ربّات المنازل!
هذه الرؤية التي تضم مشروعا إصلاحيا ضخما للمملكة ليست تحفة رخامية منحوتة، بل هي مشروع مرن، قابل للتطوير والتحديث وفق المعطيات المستجدة، وحركة الأرقام، وإصلاح ما قد يعتريه من أخطاء، رغم أن هامش أخطاء التوقعات المالية والاقتصادية التي بنيت عليها الرؤية لا يتعدى عشرة بالمائة.
إن الأرقام التي بنيت عليها الرؤية يتم مراجعتها كل ثلاث أشهر للتأكد من عدم وجود خلل، وإن وجد فإنه تتم معالجته سريعاً، وتحديث الخطة بالجديد.
إن رؤية السعودية 2030 مشروع سعودي المنشأ والمآل، عمل فيه، وعليه، وضمنه، مجموعة من رجالات الدولة، وخبراء أجهزتها، ومجموعة كبيرة متنوعة من المواطنين السعوديين من خلال ورش عمل كبيرة.
بالطبع تم الاستعانة بخبراء أجانب، ومكاتب استشارية دولية، ليس لرسم الخطة الاقتصادية للسعودية داخليا، بل لتوفير الآليات الاقتصادية، والبيانات الدقيقة للاقتصاد العالمي وحركته، الأمر الذي سيرسم صورة أكثر وضوحا لصانع القرار السعودي، ومطوّري مشروع الرؤية.
الاقتصاد السعودي ليس ساحة مغلقة على الطراز الكوري الشمالي، بل لديه روابط واتصالات ومصالح مع العالم، ولذلك كان لابد من الاستعانة بهذه المكاتب الاستشارية الضخمة التي تملك رؤىً ودراسات أكثر دقة لحالة الاقتصاد العالمي.
مشروع الرؤية الأساس يرتكز على نقطة هامة، وهي إعادة التوزيع العادل للثروة، وتخصيص الدعم للمستحقين فعلاً، لا الأغنياء فقط. صاحب القصر يجب ألا يدفع فاتورة ماء وكهرباء مساوية لما يدفعه صاحب الشقة الصغيرة، والشخص الذي يمتلك خمس سيارات لا يعقل أن يدفع للبنزين كما تدفع أسرة لا تملك سوى سيارة واحدة، وبإمكانك القياس على ذلك.
صاحب المشروع لديه معرفة وثيقة بالمشروع، وليس مفروضاً عليه. رأيت بنفسي وسمعت منه كيف أنه يعرف تفاصيل التفاصيل، ويملك الرؤية الواسعة للحالة الاقتصادية الشاملة للمملكة، وشغفه الحقيقي في رؤية بلاده في مصاف الدول المتقدمة.
ثم ما الذي سيجعل سياسيا شابا أن يطلق مشروعا يمكن أن يؤثر على شعبيته، ومستقبله السياسي، وهو يعلم أنه سيفشل؟
لولا الإيمان العميق بالنتائج لما تم ذلك الإصرار. وهي شجاعة في مواجهة تاريخ طويل من ثقافة الاقتصاد الريعية، ونمط العيش الذي يعتمد أساسا على الحكومة، والحكومة فقط.
ليس لدى صانع القرار رغبة في التأثير على المواطن، إنما أسعار النفط المنخفضة تسببت في عملية تصحيح اقتصادي كانت مطلوبة منذ سنوات، ولا يوجد أفضل من الأزمات لصناعة الفرص، وفرض التغيير. حين يعود النفط للارتفاع فإن الوضع سيتغير، ولكن على أسس اقتصادية سليمة.
لقد قام الجهاز الاقتصادي السعودي ممثلا في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية بعمل ضخم للحفاظ على قيمة الريال من التذبذب، ولولا هذا الإجراء لحدثت أزمة كبيرة للمواطنين.
أما الديوان الملكي فأنشأ غرفة عمليات تعمل على مدار الساعة في جمع المعلومات عن الاقتصاد السعودي من خلال التواصل مع وزارة المالية، وخصوصا عملية مراجعة الأرقام التي حدثت في آخر عشر سنوات.
لم يكن هناك مكتب لإدارة الدين العام سابقا، وهو الآن موجود يعمل بفاعلية تحت قيادة فريق سعودي متميز.
هذا المشروع الإصلاحي الضخم ليس اقتصاديا فحسب بل يشمل كافة نواحي الحياة، لتحويل المملكة إلى مصنع تنافسي قابل للتطور وفق المعايير العالمية، وهذا ليس سهلاً وليس متسحيلاً، إنما هو بحاجة إلى الوقت، والإيمان الوطني به.
ستغير الرؤية حياة السعوديين إلى منطقة حافلة بالمنافسة والبقاء للأفضل وخدمات تستحق ما يدفعه المواطن من أجلها. ستوفر البطاقة الخضراء موردا اقتصاديا لخزينة الدولة، وذلك لتحفيز الكفاءات الأجنبية لاستثمار أموالها داخل المملكة بدلاً من تحويلها للخارج.
سيكون هناك تغيير ثقافي واجتماعي واسع، وسيكون للسعوديين مزارات سياحية ضخمة داخل أوطانهم، ونشاطات ثقافية على مستوى عالمي.
إن جامعة الملك عبد الله ستكون واحدة من المؤسسات التي تدعم الاختراعات الخاصة بالسعودية، بل المحرك البحثي للمشاريع الوطنية الكبرى الهامة.
سمعت من الأمير الشاب خطته عن "كاوست" بذلك التعبير البديع :
“نريدها أن تكون محرّك الأحلام".
قالها بالإنجليزية...
Our dreams engine
موفق