أصدر «المركز السوري لبحوث السياسات» تقريراً مفزعاً عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني في سورية. التقرير خلص إلى أن سنوات الحرب التي دخلت عامها الخامس، أوصلت هذا البلد العربي الكبير الذي كان مصنع المنطقة وسوقها التجارية، إلى وضع يشبه حال الصومال خلال سنوات الاقتتال. التقرير استند إلى معلومات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ووكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، («أونروا»). يقدر التقرير، المتشائم، الخسائر الاقتصادية لسورية منذ بداية الحرب حتى نهاية العام الماضي، بمبلغ يصل إلى 202.6 بليون دولار، وهو ما يعادل، تقريباً، أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسورية عام 2010، فضلاً عن تدهور الصادرات السورية، وإن شئت توقفها. وبلغ العجز في الموازنة العامة للدولة أكثر من 40 في المئة العام الماضي. ووصلت البطالة إلى ما يقارب 60 في المئة بين المواطنين، وهذا أفضى إلى فقدان أكثر من 12 مليون سوري مصدر دخلهم، وأصبح حوالى أربعة من كل خمسة سوريين فقراء، وبات ثلثا السكّان في حال فقر شديد، عاجزين عن تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية، ومنهم 30 في المئة بات عاجزاً عن تأمين لقمة العيش، فضلاً عن أن نصف السوريين ترك سكنه بحثاً عن الأمن. التعليم شبه معطّل، ونسبة الأطفال غير الملتحقين بالتعليم العام من إجمالي عدد الأطفال السوريين يصل إلى 50 في المئة، والنصف الباقي خسر ثلاث سنوات من التحصيل الدراسي. وإذا استمرت حرب الاستنزاف في سورية، فإن الوضع في هذا البلد سيشكل سابقة في الكوارث الإنسانية. هل تكفي هذه الحقائق لإقناع طلاّب الحرب، والمحرّضين على استمرارها، بفداحة نتائجها؟ الحرب في سورية اليوم لا تفرّق بين إسقاط النظام وهدم الدولة، والمؤسف أن بعض المعارضة السورية، يدفع باتجاه هذا الهدف، ويصر على الترويج لفكرة أن لا حل إلا بالحرب، ويؤيد عسكرة الأزمة، والمطالبة بزيادة تدفّق الأسلحة إلى سورية. لا شك في أن المعارضة السورية تعاود تكرار أخطاء المعارضة العراقية، وربما في شكل أسوأ، والفارق بين المعارضتين هو أن الأخيرة سهّلت احتلال البلد، بوعود كاذبة. أما المعارضة السورية، فوعودها باتت وسيلة لقتل السوريين، وهدم الدولة. الأكيد أن المعارضة السورية لا تجيد فن السياسة، وتعيش حالاً من الفرقة، فضلاً عن أنها تفتقد رؤية واضحة للحل، وتعيش أزمة أخلاقية، وبعضها يتمنى أن يجد مخرجاً من أزمة الضمير. أوقفوا تدمير سورية بأي ثمن. أنقذوها من مصير العراق... لا بد من وقف الرهان على حل لا يرى سورية إلا من فوهات المدافع. *نقلا عن "الحياة"