2017-06-01 

السيف والذاكرة: دمعة الملك الأخير

سلطان السعد القحطاني

يحمل السيف اللامع في يمينه، وعلى منكبيه ظلال من راية التوحيد التي حملها أجداده منذ ثلاثمئة عام. نعم إنها الراية الخضراء تلك. يستمع إلى صوت الصحراء، أناشيد الحرب، والأمل، والامتنان لوطن قوي منيع. إنها العرضة النجدية، رقصة الحرب، والبقاء. يتصفح الملك الأخير وجوه حَمَلة السيوف، وذارعي الميدان، فلا يرى أولئك الذين عرفهم طويلا، وتقاسموا معه الحياة، والحكم، والقلب والذاكرة

 

 

 

 

رحل الأخوة، رفاق الحياة، آخذين معهم كثيرا من مهجة القلب. نعم رفاق الحياة، أمراء، وملوك حملوا راية التوحيد، وجالت سيوفهم في ساحات العرضة سنوات وسنوات وسنوات وسنوات وسنوات وسنوات وسنوات وسنوات وسنوات وسنوات وسنوات وسنوات وسنوات وسنوات، ثم جاء الطارق الأخير. رحلواوبقي سلمان بن عبد العزيز. بقي الملك الإمام ابن عبد العزيز ملكا للذاكرة، والوفاء، والتاريخ

 

 

 

 

وأنت ترى ذلك المشهد المهيب، الذي يعتصر فيه الحزن قلب ملك، ويبدو جلياً في عينيه التقيتين، فإنك ترى شيئاً من الإنسان، وشيئاً من سلمان، وشيئاً من ذلك الحنين الوفي الذي لم يستطع آخر ملك من أبناء عبد العزيز أن يكتمه. لا يوجد أقسى من فقدان رفاق الدم، والعمر

 

 

 

في ساحة العرضة يحمل الملك سيفه، وتهب رياح الحنين. دمعة تختنق بها العينين لذكرى أحبة ملئوا القلب والحياة. هنا ملك يتهادى في قلبه التاريخهنا تلتمع السيوف، وتعلوا الأناشيد، وكان الملوك، والاخوة، تتعالى سيوفهم، وحناجرهم كالأمجاد.

 

 

 

هناك كان فيصل. وهناك خالد. وهناك فهد الأخ، فهد القلب، الأب الثانيوهناك عبد الله يصول في الساحة كالفرسان. هناك سلطان شجرة الحياة، حتى اللحظة الأخيرة. وهنا نايف الأخ العنوانالإخوة، القلوب. حِملٌ من الذاكرة تنوء بثقله الضلوع، ولا تقدر عليه العيون. تجول عينا الملك الأخير فلا يراهم. لا يرى سوى عطر الذاكرة، وأطياف الحنيننعم نحن لا نراهم في ساحة العرضة، لكن سلمان يراهم بقلبه. يالها من مشاعر حزينة. لكنه القدر والتاريخ. وهذا هو عزاء ملك مؤمن متبتل لربه، ودينه، وسنة نبيه

 

 

 

بعد ساحة العرضة تأتي الدرعية. بوابة الذكرى الثانية لقلب الملك وروحه. هناك أرض الأجداد. مقبس نور التاريخ الذي شع في الجزيرة وأضاءه. هناك في "العوجا" ذلك القصر المهيب حيث تعلمت الجدران الحديث بلغة التاريخ. هنا صور ال سعود القدامى، يراها أحفادهم رأي العين، ويستلهمون من أولئك الأجداد تعاليم المجد، وبناء الدولة، وتطويع التاريخ. رجال دعوة لا دعة، بناة دولة لا رجال استقلال واستعمار. هنا سيوف التوحيد منذ فجر الدولة، والدعوة. ابن سعود ورجاله، وذكريات الفتح البهيج للرياض، وتاريخ بناء الدولة الكبرى في شبه الجزيرة العربية

 

 

 

 

سلمان بن عبد العزيز الملك، التاريخ. عصارة الدولة وتاريخها أميرا وملكا وإماما، وقد اخذ من والده المحارب العظيم صوته وسمته، والقدرة على بناء التاريخ دون تهيب أو وجلحفيد المجاهدين الذين كان لحوافر خيولهم صوت وبصمة في أرض جزيرة العرب. وها هو يجمع العرب والمسلمين تحت راية التوحيد، ويعيد لجزيرة العرب دورها في صناعة التاريخ.

 

 

 

إنك حين تنظر إلى الملك سلمان ترى فصلا كاملا من التاريخ. تاريخ الحكم، وتاريخ الوطن، وتاريخ جيل أسس كياناً لم يهتز ولو لطرفة عين، بينما تراقصت الحضارات، وتهشم البعض منها يمنة ويسرة، وتقلصت الخرائط، وتكلست الأقاليم. بقي كيان آل سعود بنيانا مرصوصا بالشعب والقيادة دون ميل، ولا اعوجاج.

 

 

 

هذا هو آخر ملك من أبناء عبد العزيز. تنظر اليه بفخر متتبعا صناعته لتاريخ مملكة ابيه، وأجداده، وهو يعيد تموضع بلاده في الإقليم، ويستجلب شباب الحكم ليكملوا المسيرة، ويعطيهم خيول المستقبل التي من على سروجها بنا أجدادهم أقوى وحدة في تاريخ العرب.

 

وكذلك سيفعلون.

 

 

 

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه