بعد أن تطرقنا في مقالات سابقة عديدة عنالأهداف الأساسية من انشاء مركز الملك عبدالله للدراسات البترولية "كابسارك" وطرحنا عدة أسئلة كان منها إن طبق كابسارك سياسات التوطين والتدريب الفعالة للعناصر الوطنية؟! وطرحنا تساؤل مهم عن هل تتناسب سياسات توظيف الباحثين مع أهداف كابسارك؟! وتسائلنا لماذا يوجد حاجز سيكولوجي بين إدارة كابسارك والباحثين؟! وأخيرا عن غياب الحوكمة الفعالة وغياب مقاييس التقييم؟! نتطرق اليوم إلى ماذا كان المؤمل من كابسارك وما الذي كنا نتوقع كالتالي:
* كان المأمول من المركز أن يكون مركز بحوث، صاحب ريادة وسبق في مجاله، من خلال طرق غير تقليدية في البحث تميزه عن غيرة، ليعكس فكرا يتلاءم مع مكانة المملكة العربية السعودية، وحضارة هذا الجزء من العالم!
* كنا نعول أن يكون المراكز جهة مؤهلة تقوم على اختيار المواضيع المناسبة فتخضعها للدراسة بطريقة مركزة ومعمقة تتناول الجوانب المختلفة لها، وبالجمع بين الاختصاصات المختلفة، ليكون بذلك جهة معتبرة وافرة الإنتاج، تتركز مجالات بحوثها على التحديات التي تواجهنا، كأولوية لتدارك الحاجة الاقتصادية القائمة لبلادنا لمثل هذه البحوث.
* كان المؤمل من المركز أن يكون الرائد، والمنصة الرئيسية لمواجهات التحديات، وتحديد الفرص الاقتصادية والاجتماعية، الآنية والمستقبلية.
* كان المرجوا أن يكون منصة لنقل الأفكار والمفاهيم البناءة الجديدة في مجال خفض الانبعاثات الكربونية، وتحويلها إلى سياسات إنمائية سليمة.
* كان متوقعا من كابسارك أن يكون عامل توطين للبحث العلمي الاقتصادي المتخصص، من خلال العمل على انخراط الكفاءات العلمية المتخصصة وبناء قاعدة من الخبرات تستطيع القطاعات الاقتصادية المختلفة استقطابها لاحقا والبناء عليها، مما يعزز القيمة المضافة للأطر الوطنية.
* كان المنتظر من كابسارك أن يحدث إضافات تنموية بارزة من خلال تنقل الكفاءات والخبرات النادرة والمهمة في مجالات الاقتصاد المختلفة، منه وإليه باستقطاب كل مميز منها ومن ثم بالتدريب لسد حاجة كل القطاعات من الكودر الوطنية المؤهلة في مجال البحث والذي كان كابسارك أبرز مهمشيها.
* كان المأمول إن يمكن وجود كابسارك القدرة على الابتكار في مجالات البحث العلمي بشكل عام، وبما يتلاءم وطبيعة الاقتصاد السعودي بشكل خاص، عن طريق ابتكار طرق بحثية جديدة، لكي تثمر الأبحاث عن حلول مبتكرة للتحديات ذات الخاصية الفريدة التي تمتاز بها هيكلية الاقتصاد السعودي.
* كان من المتوقع من كابسارك، أن ينشئ شبكة جامعة لكل صانعي القرار والباحثين والناشطين في مجال اقتصاديات الطاقة والبيئة تنبع محليا ثم تحلق عالميا لا على العكس تماما كما هو الحاصل مع الأسف!
كان المؤمل من كابسارك ان يقود تظافر الجهود التي يثمر عنها تبادل الأفكار والرؤى المختلفة بحلول تختصر الزمن، وتوفر في المصروفات لتحديد الفرص والتحديات، وإيجاد الحلول الاقتصادية المبتكرة للتعامل معها، وذلك عن طريق توفير حوار مفتوح، يسهم في التوصل إلى توافق في الآراء على الصعيد الوطني. ومن المؤسف ان مايجري حاليا في كابسارك يخدم الأجانب والبحث العلمي الأجنبي كما كتبنا في مقالات سابقة!
* كنا نأمل من كابسارك أن يكون له مشاركة فاعلة في الدفاع عن قضايانا في المحافل الدولية النخبوية، وكذلك ضمن إستراتيجية الإعلام النفطي للمملكة (أكبر مصدر للنفط في العالم)، خصوصا تلك التي تنادي بالحد من استخدام النفط كحل لإنخفاض الانبعاثات الغازات الدفيئة، أو تلك التي ترى بأن المملكة تعمل على ضبط سعر النفط بما يلائم اقتصادها دون غيرها، أو تلك التي ترى بأن الاقتصاد السعودي هو اقتصاد نفطي خالص وأن القطاعات الاقتصادية الأخرى لا دور لها.
* كنا نعول على كابسارك كمركز عملاق بميزانيات ضخمة أن يغنينا عن الحاجة لمراكز البحث الأجنبية، والتي تكلف الاقتصاد رأس مال كبير، وربما توصلت من خلال موقعها على معلومات تحاول أن تسيسها أو أن توظفها لدولها الأصلية، أو حتى للمراكز والمؤسسات التي قدمت منها، ففي مثل هذا المجال يقال ما حاك جلدك مثل ظفرك.
كل هذه المخاطر وغيرها الكثير، كان من الممكن تفادي كل تكاليفها المادية والمعنوية، لو أن مركزنا كان مصدر البحث والاستشارة المعتمد. وحديثنا عن الحالة التي كنا نؤملها من مركزنا العملاق "كابسارك" تحتم علينا الحديث عن الوضع الحالي للفصل بين واقع المركز وما هو منتظر منه.
لذلك ستناول في المقال القادم بإذن الله بعض الدلائل والمؤشرات، التي تصف الوضع الراهن للمركز مما تيسر لنا معرفته من خلال موقع المركز الإلكتروني، ولاشك أن فقر موقع المركز الإلكتروني لكابسارك في عالم اليوم الرقمي أحد أوجه القصور غير المبرر.
د. فيصل مرزا
مستشار في شؤون الطاقة وتسويق النفط، مدير دراسات الطاقة في منظمة أوبك سابقا