أكثر ما كان يملأ الإعلام الورقي والرقمي وقبل ذلك أذهان المراقبين وقصص الصحافيين سؤال النشأة والتكون الذي أخذ في التمدد على السؤال الرئيس والحيوي: الدوافع والمعالجات والذي يعد هو السؤال الأكبر والأهم عن قصة تكوين تنظيم داعش "ISIS" كنموذج للتنظيم الإرهابي القائم والمتطور بإيهامه الضحايا من المتعاطفين وحتى المشاركين بدولته الوهمية والدموية.
و الأكثر أهمية أن داعش كتنظيم يعاني الآن مرحلة "الموت البنائي " أو التنظيمي بعد الفقدان التام لموصل سوريا والرقة العراقية وسرت في ليبيا والتي كانت -هذه المدن- تعد مواقع التمركز والانتشار ؛ فسواء كان هذا الموت جغرافياً أو تنظيمياً سيحاول بقاياه في صنع رسائل بالغة التأثير إعلامياً _حيث كانت قوته الفعليه إبان سيطرته_ وذلك ببث رسائله الايجابية موهماً بأنه لازال يعمل وينفذ "التشكل المفاجئ" حين و"الذئاب المنفردة" أحياناً أخر وإن كانت بشكل سابق .
وقد تحدثت بعض التقارير الصحافية عن الحالة التي يعيشها أعضاء التنظيم بعد قتل قياداته وتفتته ؛ حيث تؤكد هذه التقارير أيضاً أن داعش يستخدم تكتيكاته الجديدة لتنفيذ هجمات متفرقة ومتنوعة التنفيذ في الدول المستهدفة ؛ من المتوقع أن بقايا التنظيم ستضطر لاستغلال عمليات النزوح في الدولة السورية؛ وفي العراق الاندماج مع النازحين العائدين إلى الدولة في ظل التضييق على عمليات اللجوء لدول الجوار وذلك للتخفي ومحاولة إيجاد طرق بديلة لإعادة الانتشار أو الخروج لمناطق إقليمية مجاورة للحفاظ على أيدلوجية التنظيم والانتقام من عمليات قوات التحالف وإعادة القدرة التنظيمية مرحلياً بمهاجمة الدول الحليفة سواء المجاورة أو الإقليمية أو حتى الدول النائية عن المناطق الساخنة كالدول الأوروبية ؛ ولعل أقرب هذه الدول هي شمال سيناء المصرية بالدرجة الأولى لتوافر مقومات الطريق الأفضل للتحرك صوب المحطة الاستراتيجية التالية رغم أن الجيش المصري وقوات الأمن الداخلي تعمل على قدم وساق الآن للحيلولة دون قيام التنظيم بلم شتاته والتقاط أنفاسه مرة أخرى وهي عمليات شاملة وجذرية لمنع إنبات بذور الإرهاب ؛ فلو تأخرت هذه العمليات ستصبح لاحقاً أشبه بحصد هذه النباتات السامة والتي ستبقى لوقت أطول ويصعب اجتثاثها في المدى المتوسط تقريباً ، ثم تأتي بعد ذلك مناطق الحدود مع الأردن وكذلك الحدود المتاخمة لتركيا رغم الفوارق في القدرات الأمنية والعسكرية بين هذه الدول لمواجهة خطر هذا التسلل .
بالنسبة إلى سرت الليبية والتي هي مقر التنظيم هي كذلك لفظت هي الأخرى أفراده بشكل مُطرد ومستمر وهم يشكلون نسبة أقل مقارنة بسوريا والعراق هي الأخرى طريق موازي لتحرك أفراد التنظيم لبيئة أخرى أكثر حيوية تتوفر فيها أساسيات العيش لهم كمتطرفين وأقرب تلك الدول منطقياً وجغرافياً هي الدول الأفريقية وخصوصاً النيجر والصومال وربما بعض دول الوسط الأفريقي كمحاضن مرشحة لإعادة بناء داعش الأفريقي بناءً على تقارير صحافية غربية كتقرير صحيفة الغارديان البريطانية .
المحاذة الحدودية للنيجر لدولة ليبيا وعمليات جماعة "بوكو حرام" المتطرفة فيها يجعلها بلا شك مأوى جديد لشتات التنظيم الداعشي الهارب من الدولة الليبية المتطرفة والعلاقة بين بوكو حرام وداعش هي متجانسة تماماً وقد ترقى إلى علاقة الأصل بالفرع ؛ ورغم أن القوات الخاصة التابعة للولايات المتحدة الأمريكية متواجدة في النيجر وهي التي خسرت عدد من جنودها هناك اكتوبر المنصرم فإن هذه دالة على أن التنظيم يعمل على القتال للاستقرار مما يمكنه من التعافي ومعاودة الظهور للسطح مرة أخرى وكذلك في الصومال التي تعاني من إرهاب "حركة الشباب الإسلامي" هي أيضاً مرشحة لاحتضان فتات مقاتلي ISIS كما أسلفنا رغم الاختلاف الأيدلوجي بين داعش والحركة إلا أن أمكانية التحالف بينهما وارد بشكل كبير أو حتى التداخل المرحلي لمواجهة قوات الاتحاد الأفريقي المنهكة هناك والجيش الاتحادي الصومالي واغتنام الظروف السياسية والإدارية السيئة في مقديشو.
المتابع الجيد للأحداث في أفريقيا ككل وككتلة واحدة يعي أن هذه القارة "المتذيلة" ترتيب قارات العالم هي المستقبل المظلم للجماعات الإرهابية والميلشيات المسلحة مهما اختلفت دوافعها وخلفياتها وأهدافها بين السياسية أو الأيدلوجية أو حتى الاقتصادية وهي الملاذ الآمن لهم جراء الفقر التنموي والاختلالات الاجتماعية والوهن الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي المسيطر على أكثر الدول الأفريقية إذا استثنينا الشمال العربي .
وبذلك على الدول المحورية والكبرى في التحالفات العسكرية الدائمة كحلف النيتو والقوات الأفريقية والبعثات العسكرية من جهة والتحالفات الطارئة كالتحالف الدولي في سوريا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف العربي والتي تقوده المملكة العربية السعودية لدعم الشرعية في اليمن تكثيف محاربة بذور الإرهاب المتوقعة والعمل بخطط استباقية ميدانية وبذل المزيد من التعاون الاستخباراتي فيما بينها ومحاصرة فلول التنظيم ومنع انتشاره مرة أخرى في الدول المتاحة لذلك كما ذكرنا سابقاً وتطويق الدائرة المتوقع التمدد بها من خلال تكثيف مراقبة الخطوط الملاحية في البحر الأحمر والأبيض المتوسط وبحر العرب ودعم الدول المحاذية للمناطق المصابة بهذا الفايروس "ISIS" عسكرياً ولوجستياً وتنويع التمارين العسكرية البينية أو المشتركة لسيناريوهات متعددة افتراضية وأساليب قتال نوعية وذلك كقوات ردع وقائية ذات جاهزية مرتفعة .
• كاتب وصحفي متخصص في الشأن السياسي
@bnfhead2020