2018-06-02 

تقييم الاستراتيجية الامريكية الجديدة تجاه ايران في ظل إنسحاب الولايات المتّحدة من الاتفاق النووي الايراني

راشد ابانمي، رئيس المعهد الدولي القانوني للطاقة والبئية والتوقعات الاستراتيجية ‏abanamay@gmail.com  

كان الاتفاق النووي الذي توصلت اليه الخمسة + واحد مع ايران في عام 2015م موضع معارضة علنية من دول الخليج العربي وبالخصوص للرياض وابو طبي والمنامة وذلك  لما له من تداعيات على الوضع الاقليمي في الشرق الأوسط الاخطر من تحجيم دور إيران النووي لفترة عشر سنوات يأتي وفي مقدمة تلك التداعيات عدم فاعليتة في وقت تغيرت فيه النوعية الاستراتيجية في الهيمنة مما كانت علية في الجيل السابق من الحروب، أي عبر شن الحروب الكلاسيكية، الى حروب الوكالة التي تعرف الآن بحرب الجيل الرابع.

 

وكان الدرس مستوعبا لدى إيران وذلك من خلال من يقوم بالوكالة وعبر أطراف محلية وتسخير جيل إرادات الغير في تنفيذ المخططات التي تستنزف الجانب الآخر الذي يخوض الحرب الكلاسيكية، وهذا محور المشكلة مع إيران الذي لم تتطرق اليه الاتفاقية والتي حذرت من تداعياتها دول الاقليم في حينه، وبالتالي ولدت هذه الاتفاقية مشوهةً لعدة أسباب ليس هنا المجال لذكرها بالتفصيل ولكن أهمها هو عدم مشاركة الدول الخليجية المجاورة وهي بالفعل معنية في ذلك الاتفاق وعدم تحجيم دور ايران في حروب الوكالة التي تخوضها في اكثر من دولة وبالخصوص في اليمن وسوريا والعراق ولبنان.

 

وكان لابد من أن تخضع تلك الاتفاقيىة الى عملية جراحية تنقذها من ذالك التشوه الذي يهددها بالموت بعد الثلاث سنوات من عمر تلك الاتفاقية وكذلك في ظل ماتقوم به ايران من تصرفات في تنفيذها للاتفاقية بسؤ نية وخصوصاً أن ايران استمرت علانية بتطوير منظومة صواريخ بالستيه وقادرة على حمل رؤوس نووية لمسافات طويلة، هذا بالاضافة الى ماتشهده الساحة الشرق اوسطية من دورا إقليميا متعاظم لإيران في حروب الوكالة، أي من خلال من يقوم بالوكالة عنها وعبر أطراف محلية وتسخير جيل إرادات الغير في تنفيذ المخططات الذي غرضها استنزاف الجانب الآخر الذي يخوض الحرب الكلاسيكية، وبالتالي لا تظهر في الصورة بل بالوكالة التي تغنيها عن خوض جيوشها بطائراتها ومدافعها اي بحروب الوكالة التي تعرف الآن بحرب الجيل الرابع تقنياتها وأساليبها والأقل كلفة من حيث ارتكازها على الخفية وإتقان الخداع وتحقيق الهدف بأيدي مواطنين محليين من رجال ونساء وأطفال مستغلين في ذلك جهلهم أو مذهبهم...إلخ، أي أنها حرب بلا جيوش منظمة، ولكنها بتكاليف مادية تدفعها ايران مباشرة إلى أيدي بعض من اكتسب ولاؤهم وتأثيراتهم على جمعيات المجتمع مدني و تيارات سياسية وشعبية مذهبية لإحداث إنهاك الدول المجاورة ومحاولة لتشتيت قواها حتى تصبح في النهاية دولة ذات ولاء لمن استهدفها أو أن تكون دولة فاشلة، أي دولة بلا سيادة كاملة على أراضيها مثل محاولتها في العراق وسوريه ولبنان واليمن وهو ما يضطر الدول الإقليمية المجاورة أو الدولية التدخل لفرض الشرعية واستتباب الأمن، ومن هنا تحقيق أهداف مخططات ايران لاستنزاف الهدف بأقل تكلفة ممكنة ومن دون مواجهة عسكرية.

 

وفي بداية هذا الشهر (أيار/مايو)، أعلن الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب قرار الولايات المتحدة الامريكية بالانسحاب من الاتفاق النووي وأن الولايات المتحدة "ستفرض أعلى مستوى من العقوبات الاقتصاديّة"، ووقع مذكرة من أجل "البدء بإعادة فرض" عقوبات نوويّة على إيران. وأشار مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية إلى أن مستوردي النفط الإيراني سيمنحون فترة 180 يوماً لتخفيض أنشطتهم. وفي خلال هذه الفترة، سيتعيّن عليهم تقليص عمليّات الشراء من ايران "بشكل كبير" إذا أرادوا الاستمرار في استيراد النفط الإيرانيّ بموجب ترخيص من مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة لاحقاً.

 

ويركز خطاب الانسحاب هذا على الخطر الذي لم تذكره الاتفاقية وهو "حروب الوكالة" التي تبنته ايران في الشرق الاوسط، وشكل خطاب الرئيس الامريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران إعلان لاستراتيجية امريكية جديدة تجاه ايران التي تخضع، على حد قول الرئيس الامريكي "... لسيطرة نظام متعصب استولى على مقاليد السلطة في العام 1979، وأرغم شعبًا أبيًا على الخضوع لحكمه المتطرف". إلى جانب العديد من الخطوات الرئيسية التي تستند "...إلى تقييم لمواجهة الأعمال العدائية التي قام بها النظام الإيراني" والذي "بث الموت والدمار والفوضى في جميع أنحاء العالم." و"..لضمان ألا تتمكن إيران أبدًا من حيازة السلاح النووي للديكتاتورية الإيرانية ورعايتها للإرهاب، وعدوانها المستمر في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم، ولا يزال يمثل الدولة الرئيسية الراعية للإرهاب في العالم، ...ويقوم بتطوير ونشر وانتشار الصواريخ التي تهدد القوات الأميركية وحلفائنا. ويقوم بإزعاج السفن الأميركية ويهدد حرية الملاحة في الخليج العربي وفي البحر الأحمر. ويقوم بسجن أميركيين بتهم زائفة ويشن هجمات إلكترونية ضد البنية الأساسية الحساسة ونظامنا المالي والعسكري." واشعال النظام الايراني العنف الطائفي في العراق والحروب الأهلية الطاحنة التي تدور رحاها في اليمن وسوريا. وفي سوريا، ودعم النظام الإيراني لنظام بشار الأسد واستخدامه للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين".

 

وعلى مدة الثلاث سنوات و"...بينما تتمسك الولايات المتحدة بالتزاماتها بموجب الاتفاق، فإن النظام الإيراني يواصل تأجيج الصراع والإرهاب والاضطرابات عبر منطقة الشرق الأوسط وخارجها. وتأسيساً على ذلك قرر الرئيس الأمريكي عدم مواصلة ..." السير على الطريق الذي ستكون نتيجته المتوقعة مزيدًا من العنف، ومزيدًا من الإرهاب، والتهديد الحقيقي جدًا بالاختراق النووي الإيراني.... ....وبأمل أن في أن الإجراءات الجديدة الموجهة إلى الدكتاتورية الإيرانية ستجبر الحكومة على إعادة تقييم سعيها نحو الإرهاب على حساب الشعب الإيراني.

 

إننا نأمل أن تساعد إجراءاتنا اليوم في جلب مستقبل من السلام والاستقرار والازدهار إلى الشرق الأوسط- مستقبل تحترم فيه الدول المستقلة ذات السيادة بعضها البعض وتحترم مواطنيها."  

 

ولخص الخطاب الااستراتيجية الامريكية الجديدة "...للتصدي لمجموعة كاملة من التصرفات والأفعال المدمرة لإيران من خلال أولا، العمل مع حلفاء اميركا لمواجهة نشاط النظام المزعزِع للاستقرار ودعمه للوكلاء الإرهابيين في المنطقة. وثانيا، وضع عقوبات إضافية على النظام الايراني لمنع تمويل الإرهاب. وثالثا، مواجه قيام النظام الايراني بنشر الصواريخ والأسلحة التي تهدد جيرانه، والتجارة العالمية، وحرية الملاحة. ورابعاً أعاقة النظام الايراني من جميع المسارات المؤدية إلى السلاح النووي.

 

وبالتالي جاء الانسحاب الامريكى كمؤشر على البدء بتصحيح المسار مع تردد الدول الاوربية الثلاث في البقاء واصرار روسيا والصين في البقاء في تلك الاتفاقية، ولكن المقاطعة الامريكية تشمل الطرف الثالث من الشركات الأخرى بما فيها الاوربية والتي ستكون عرضة للمقاطعة الامريكية في حال تعاونها مع ايران وأعطيت مهلة تسعين يوماً الى الانسحاب.

 

وبالفعل أبدت الشركات الاوربية رغبتها في الانسحاب وقد انسحبت بالفعل بعضها تاركتاً بعض من استثماراتها وستستمر الشركات الاوربية في الانسحاب وستشكل اداة ضغط على ايران الى أن ترضخ إيران لإعادة المفاوضات بشكل عام يشمل مفاوضات إقليمية مع القوى العربية لتحجيم دورها في حروب الوكالة في البلدان العربية وقبولها بتحجيم دورها النووي وبرامجها الصاروخية.

 

وانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي واعادة فرض العقوبات الامريكية على ايران ومقاطعة صادراتها النفطية وبدء مغادرة  شركات الطاقة العالمية السوق الإيراني التي تحشى العقوبات الامريكية ستتأثر وتؤثر بصورة جوهرية في موازين القوى العالمية والإقليمية، وبالتالي فإن الدول التي استطاعت أن تكون طرفا في الصراعات الموجودة في الشرق الأوسط لن تستطيع استكمال هذا الدور دون البترول، وبمعنى آخر فايران التي تضخم دورها في صراعات المنطقة اعتمادا على هذا المورد هي نفسها قد تتأثر بفرض العقوبات وعدم استطاعتها في تأهيل حقولها البترولية وبيع نفطها دولياً بسبب المقاطعة وبانخفاض الموارد المالية فإن لذلك أهمية قصوى للتطورات المحتملة في التداعيات المترتبة عليه.

 

فقطاع الطاقة الإيرانيّ بحاجة ماسّة إلى رأسمال وتكنولوجيا أجنبيّة، وتقدر الحاجات الاستثماريّة الايرانية بأكثر من مئتي مليار دولار. ومنذ رفع الحضر الدولي عن ايران، لم توقّع إيران سوى عقدين دوليّين اثنين في مجال الطاقة بلغت قيمتهما الإجماليّة 5.5 مليارات دولار. وحتّى قبل انسحاب امريكا في 8 أيار/مايو، شكّل الغموض بشأن مصير الاتفاقية النوويّة، بالإضافة إلى الخشية من عقوبات أميركيّة ثانويّة، عاملاً رئيسيّاً جعل شركات الطاقة الدولية تتردّد في العمل مع إيران من جديد. وإلى جانب عدم القدرة بزيادة الإنتاج، فإن غياب المشاركة الأجنبيّة وترددها بالاستثمار حال دون استمرار الإنتاج في الكثير من حقول النفط الإيرانيّة المعمرة التي تحتاج إلى تكنولوجيات حديثة من أجل الاستخراج المحسّن للنفط.

أما أسعار النفط فإنها تخضع لعوامل متشابكة، وهي في تغير وتطور مستمر، منها ما هو متوقع، ومنها ما هو غير ذلك، فالعلاقة بين سعر النفط والطلب معقدة جدا وتتفاعل مع عناصر كثيرة، يستحيل التنبؤ بحدوثها، وتؤثر في تقديرات العرض والطلب المستقبلي وبالتالي في أسعار النفطـ ولكن بشل عام فإن هنالك تخمة في المعروض النفطي او فائض يقدر بحوالي مليونين ونصف المليون والانتاج الايراني في حدود المليونين وتسعمائة الف برميل يومياً أي ان تعويض النقص سيكزن تلقائياً ولن يشكل نقص الصادرات البترولية الايرانية عامل ضغط على الاسعار والتي سبق وان توقعنا وصولها الى خمسة وثمانون الى تسعين دولار للبرميل بنهاية هذا العام 2018

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه