أصدر مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة كتاب جديد بعنوان: "شرارة الحياة، الكهرباء في جسم الإنسان" لفرانسيس أشكروفت، وترجمه إلى العربية عمر الأيوبي. يقدّم الكتاب رواية رائعة عن كهرباء الجسد، ويبيّن كيف أن الإشارات الكهربائية في خلايانا ضرورية لكل ما نفكّر فيه ونفعله، من قبل الحمل حتى النفس الأخير الذي نتنفّسه. تنتج هذه الإشارات بواسطة بعض البروتينات المدهشة التي توجد في طليعة البحوث العلمية الراهنة، ألا وهي أقنية الأيونات. تنظّم هذه البروتينات تدفّق الأيونات (الذرات أو الجزيئات المشحونة كهربائياً) بين الخلية من الداخل والموائع التي تحيط بها. وتوفّر الأيونات، ومعظمها أيونات صوديوم وبوتاسيوم وكالسيوم، "شرارة الحياة" التي يتناولها هذا الكتاب. إنها موجودة في كل خلايا أجسامنا وتحكم كل نواحي حياتنا، من الوعي الفكري إلى الوعي الحسي، ومكافحة العدوى، وقدرتنا على الإبصار والسمع. تنسج فرانسيس أشكروفت قصص الحياة الحقيقية مع أحدث الاكتشافات العلمية لشرح الدور الجوهري لأقنية الأيونات في أجسامنا. ماذا يحدث في أثناء النوبة القلبية؟ هل يمكن أن يموت أحد من الخوف؟ كيف تؤثّر المعالجة بالصدمة الكهربائية على الدماغ؟ ما الذي يجعل مذاق الفلفل حاراً؟ ما هو الوعي؟ تكمن الإجابة عن هذه الأسئلة في الإشارات الكهربائية التي تنتقل باستمرار في أجسامنا، وتثير أفكارنا، وتدفع حركاتنا، ونبض قلوبنا أيضاً. تبدأ فرانسيس أشكروفت رحلتها المدهشة بالحديث عن علماء الكهرباء في القرن الثامن عشر، بمن فيهم بنجامين فرانكلين، وصاعقته والطيّارة الورقية الشهيرة. ويتوقف عند الإيطالي لويجي غالفاني (1737-1798) الذي رأى بأن الكهرباء هي التي تجعل عضلاتنا تتحرّك وأعصابنا تحسّ. إن تعريض ساق ضفدعة لتيار كهربائي يجعلها تنتفض، حتى بعد مرور وقت على وفاتها. وأجرى ابن اخته جيوفاني ألديني عروضاً عامة مستخدماً جثث مجرمين أعدموا حديثاً فأعطت مظهر "إعادة الإحياء" وربما شحذت خيال ماري شيلي فوضعت قصّة فرانكشتاين. لم تحظ استنتاجات غالفاني بالقبول دائماً، لكن استمرّ افتتان العلماء بآثار الكهرباء على الجسد، وأخذوا يقيسون قوة التيارات بأجهزة "الغلفانومتر" التي أسميت باسمه. وفّر اكتشاف الإلكترون في سنة 1897 الإطار العام لإدراك كيف أن الكهرباء تشتمل على تدفّق الإلكترونات. لكن لم يكتشف كيف تنتجها الحيوانات إلا في أربعينيات القرن العشرين عن طريق العالمين ألن هودجكن وأندرو هكسلي، باستخدام المحوار العصبي للحبّار. والمحاوير جزء من الخلية العصبية، وللحبار محوار كبير جداً مكّن العالمان من إدخال أجهزة تسجيل وأسلاك فضية دقيقة فيه. وبالتالي تمكّنا من تسجيل تراكيز الأيونات في المحوار وفي الأنسجة المحيطة. وبيّنا أن تبادل الصوديوم والبوتاسيوم بين المحوار والأنسجة ينتج فرق جهد أصغر بكثير مما تنتجه البطاريات لكنه مماثل له. يطلق هذا الفرق في الجهد الكهربائي إشارة من المحوار، وهو الطريقة التي تتمكّن فيها الأعصاب والخلايا الأخرى من العمل من أداء عملها. غير أن المحافظة على الفروق الدقيقة في تراكيز الصوديوم والبوتاسيوم داخل الخلايا والموائع التي تغمرها عملية مكلفة. فهي تستهلك ثلث الأكسجين الذي نتنفسه ونصف الغذاء الذي نهضمه. وعندما تتوقّف مضخّة الصوديوم التي تنظّم هذا الأداء الخلوي المدهش عن العمل، تموت الخلايا، ومعها الكائن الحي نفسه. ولم يتم قياس التيارات الكهربائية في الجسم إلا في سبعينيات القرن العشرين على أيدي أروين نيهير وبيرت ساكمان بابتكارهما طريقة لقياس التيارات المتناهية الصغر. تشرح فرانسيس كل ذلك وأكثر بطرافة ووضوح. وتدخل مجموعة استثنائية من الشخصيات التي رسم عملها الصلات بين الجزيئات والعقل على مرّ القرون. وتروي قصص الاكتشافات العلمية ذات الصلة بتطوّر أفكارنا عن كهرباء الجسد، وتظهر أنها تتشابك تشابكاً وثيقاً مع فهمنا للكهرباء نفسها. وتصف كيف أدّت أحدث الاكتشافات إلى تحديد طائفة جديدة من الأمراض، وعلاجها في بعض الحالات. وتتميّز المؤلفة في هذا الكتاب، بأسلوب سهل ممتنع يضفي الجاذبية على أصعب الموضوعات ويجعلها في متناول جميع القرّاء.