نجاح السيد مقتدى الصدر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق، ودعواته العروبية، بدأت تغير خارطة القوى داخل العراق، فبعد أن كانت إيران تعتمد على حزب "الدعوة" المسروق أساساً من الصدريين، وتراه هو من يمثل مصالحها، اضطرت للزج ب "هادي العامري" إلى الواجهة السياسية كوجه جديد قد ينافس "السيد مقتدى" ويسحب الشارع لصالحه، معتقدين بأن الشارع العراقي متعاطف مع الحشد الشعبي الذي لولاه لما تحررت العراق من داعش.
وبالفعل نجح العامري باكتساح "المالكي " أو حزب الدعوة المحروق كرته سياسياً، ولكنه تفاجأ بأنه حل ثانياً بين تحالفي السيد مقتدى، أو الذين يميلون إلى خطه. ف "سائرون" بقيادة السيد مقتدى حصل على المركز الأول، و "تحالف النصر" بقيادة العبادي، العدو اللدود للمالكي، والذي يميل إلى جهة السيد مقتدى، بالمركز الثالث ولا ننسى أياد علاوي الذي كذلك يميل للسيد مقتدى ليس حباً في التيار نفسه، ولكن نكاية في الطرف الآخر.
الحسبة ليست معقده إذا أضفنا لها نتيجة السيد خالد العبيدي ( السني) وزير الدفاع الأسبق العضو بتحالف العبادي والذي حقق مفرداً 83 ألف صوت، وحل في المركز الثاني على مستوى الجمهورية، علماً بأن العبيدي كان وزير دفاع سابق، وأسقط في استجواب قادته النائبة "عالية نصيف" المنتمية لإتلاف المالكي والتي أعاد المالكي ترشيحها على قائمته، وسقطت بالأصوات ولكن حسب ما سمعنا بأنه سيعيدها بالكوتا النسائية.
ما الذي حدث في الانتخابات العراقية؟
بقراءة سريعة لنتائج الأفراد في الانتخابات، وليس القوائم والتحالفات سنجد أن:
وهذا ما يؤكد بأنه تعامل بأنانية ذاتية، واكتفى بدعم نفسه، تاركاً قائمته في مهب الريح، مما انعكس نفسياً عليهم عندما اكتشفوا الفارق الشاسع في النتيجة. أقرب رقم له في القائمة "محمد شباع صابر حاتم " حصل على 14326 ، بفارق شاسع جدا يصل الى "67674 صوت.
وأما الآخرين مثل ليلى مهدي عبد الحسين هادي فقد حصلت على 2059 صوت، وعالية نصيف جاسم عزيز حققت 3091 صوت. التفاوت كبير جداً وواضح تماماً بان السيد المالكي لم يلتزم بدعم قائمته واكتفى بدعم نفسه.
قراءه بسيطة لما سبق لا يمكن أخذها من زاوية واحدة ولكن يجب أن نراها من زاوية استقبال السيد مقتدى الصدر لزعيم تحالف الفتح السيد العامري في مقره بالنجف، وليس العكس، وهذه نقطة مهمة يجب لكل المراقبين السياسيين الانتباه لها: من ذهب لمن؟
ذهابك إلى شخص هو إعلان قبولك بسلطته، وبالتالي يعني ان إيران قررت أخيراً أن تعترف بأن رجالها في العراق لم يعودوا نجوم الساحة السياسية، بل تغيرت اللعبة، وأصبح السيد مقتدى الصدر هو الرجل الأول بالشارع العراقي، ومع كل مابذلته إيران من أموال، وضغوط سياسية وغير سياسية، لم تغير من الواقع شيء.
الحقيقة الواضحة في العراق هي أن تيار مقتدى والعروبة واستقلال العراق بقراره وعروبته تفوق على الآخرين، ولو دققنا في كلمات السيد مقتدى الصدر بالمؤتمر الصحفي الذي جمعه بالعامري، فسنرى الحقيقة التي يحاول رجال طهران تغييبها، وهي أن ما حدث مع العامري ليس تحالفاً، بل تنازلا إيرانياً للصدر، والرسالة: نرجو إشراكنا معك باللعبة السياسية.
السيد مقتدى قال بالحرف الواحد: "احببت ان أعلن هذا الاعلان أمامكم في هذا اليوم المبارك في 27 رمضان من هذا الشهر المبارك تم عقد اجتماع مهم جداً بين تحالف سائرون وتحالف الفتح ونعلن للجميع بأنه "تحالف حقيقي بين سائرون والفتح من أجل "الإسراع في تشكيل الحكومة الوطنية وضمن الاطر الوطنية والكل مدعوون للفضاء الوطني بعيداً عن المحاصصة الطائفية".
السيد مقتدى لم يعلن تحالف بمعنى التحالف، ولكن أعلن اتفاق بين الطرفين على الاسراع في تشكيل الحكومة. بعدها خرجت لمواقع الإلكترونية، واللجان التابعة لمن يريد فصل العراق عن محيطها العربي، ليحوروا كلام السيد مقتدى ويوحوا بأنه باع حلفائه، ووضع يده بيد هادي العامري لخلخلة نفسيات اتباع هذه التحالفات.
الغريب ان تلا هذا الاجتماع اجتماع آخر للسيد مقتدى مع العبادي في تاريخ 23-7-2018 قال فيه السيد مقتدى حرفياً: ((نعلن عن تحالف عابر للطائفية والإثنين للإسراع بتشكيل الحكومة المقبلة والاتفاق على نقاط مبادئ مشتركة بما يضمن مصلحة الشعب العراقي بين سائرون والنصر والتي تساهم في بلورة حكومة قوية تخدم تطلعات شعبنا في جميع المجالات وعلى ضوء هذه المبادئ ندعو الكتل الى عقد اجتماع قيادي للاتفاق على الخطوات اللاحقة !! )).
ثم استطرد في الحديث عن أسس التحالف وكأنه يحدث العامري والمالكي ومن ورائهم.
أسس التحالف كما أعلن السيد مقتدى الصدر:
- دعم وتقويه الجيش والشرطة والقوات الأمنية وحصر السلاح بيد الدولة والحفاظ على هيبتها وما تحقق من إنجازات.
- وضع برنامج إصلاحي لدعم الاقتصاد العراقي في جميع القطاعات.
للأسف هذا الإعلان لم يحظ بالترويج الإعلامي المطلوب، لإنه يبرئ السيد مقتدى من مما يشاع بأنه لم يخلص مع حلفائه، ولازالت المواقع الإلكترونية، واللجان تتحدث عن اجتماع الصدر-العامري وتتحاشى طرح اي شيء عن اجتماع الصدر -العبادي رغم أن خارطة الطريق القادمة أعلنها الصدر في لقائه مع العبادي وليس العكس.
اللعبة السياسية لم تنته بالعراق ولكن بحسب النتائج على أرض الواقع واضح إن إيران بدأت تؤقلم نفسها مع تسيد الصدر الساحة العراقية، وبدأت في تقديم التنازلات، وان أكدت المصادر استبعاد العبادي من رئاسة الوزراء بشكل نهائي، ليس للاعتراض على شخصه ولكن لإن العراقيين ضاقوا ذرعاً بحزب الدعوة، والعبادي كشخص لم يستطع التخلص تماماً من ارتباطه بالحزب، لذلك الشخصية الجديدة المتوقعة حسب ما نرى لن تكون ايرانية الهوى، ولكن بنفس الوقت ليست عدوه لإيران وهذي خطوة أولى في الاتجاه الصحيح.