حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عشية انطلاق فعاليات القمة الإسلامية الطارئة في إسطنبول، كان واحداً من المشاهد المسرحية التي يشتهر بها الشرق الأوسط. حديث عاطفي عن المقدسات الإسلامية، وضرورة حماية القدس، في الوقت الذي ترتبط فيه بلاده بعلاقات قوية مع الدولة المحتلة للقدس.
قال أردوغان إن عدم وقوف الدول الإسلامية مع القدس، يعني أنهم سيواجهون يوما من الأيام تحد آخر، وتهديد آخر، وهو استهداف مكة المكرمة. كان من الغريب ذكر مكة المكرمة في سياق لا علاقة له به، فهي ليست تحت الاحتلال، ولا تتعرض لتهديد أمني.
هذه ليست المرة الأولى التي يذكر فيها الرئيس التركي، الذي يظهر ميلا كبيرا لتنظيم الإخوان المسلمين، مكة المكرمة، ويحاول أن يظهر بمظهر القلق على حمايتها، ولأسبابه الخاصة.
ذلك الخطاب كان واحدا من الخطابات الكثيرة التي ينطق فيها اللاوعي عند الرئيس التركي، كاشفا عن حلمه الكبير: مكة. إن مكة بالنسبة لأردوغان طموح كبير يحلم به. هذه الخيالات مردها إلى أنه يحاول أن يظهر نفسه بمظهر الخليفة المسلم، الذي سيقدر على جمع كلمة الدول الإسلامية، ويقودها خلفه. إنه يشعر بأنه إمبراطور العالم الإسلامي ككل.
الغريب أن الرجل القلق على مكة المكرمة هو نفسه الذي عقد اجتماعا مع المرشد الإيراني خامنئي في مدينة مشهد، في سنوات الربيع العربي، ودار الحديث عن السعودية، وكان الاثنان يرون فيها غنيمة ستقتسم. علم السعوديون عن هذا الاجتماع، وأبلغ الملك عبد الله أردوغان غضبه بشكل شخصي عما دار فيه، ولم يعد أردوغان للرياض حتى وفاة الملك عبد الله.
إن نظرة سريعة على التاريخ الحديث تشير إلى أن جداد أردوغان، والنظام السياسي الذي ورثه، هم من فرط بالمقدسات الإسلامية. لم يفرطوا بالقدس فحسب، بل بالمقدسات الإسلامية الثلاثة كلها. لقد سقطت القدس في عهد حاكم يحكم من تركيا. ولقد سقطت مكة في عهد حاكم يحكم من تركيا. ولقد ذاق سكان مدينة رسول الله الأمرين من صنوف العذاب من دولة تركية، وجنود أتراك.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تمت سرقة كل الآثار الإسلامية من مكة والمدينة، وتم نقلها إلى تركيا. ولم تعد هذه الآثار حتى الآن. أتمنى أن أرى إشارة حسن نية بسيطة من الرئيس التركي، وهي أن يعيد هذه الآثار إلى المتحف الإسلامي المنتظر في السعودية. من يسرق الآثار الإسلامية لن يحمي المقدسات الإسلامية.
وفوق ذلك فإن العلاقات التركية الإسرائيلية قوية جداً. إن تركيا أكبر بلد مسلم لديه علاقات مع إسرائيل. إنها الدولة المسلمة الأكثر تعاونا عسكريا مع دولة الاحتلال، وطيرانها كان الأكثر نقلا للمواطنين الإسرائيليين.
وعلى المقلب الآخر نجد الحماية الكبيرة التي توفرها المملكة لزوار مكة والمدينة، والعناية بهاتين المدينتين، وضخ ميزانية ضخمه لتوفير كل ما تحتاجه. وشهد الحرمان أكبر توسعة في التاريخ الإسلامي وذلك في عهد الدولة السعودية.
الفرق بين أردوغان والسعوديين هو أنهم لا يحبون المايكروفونات والخطابات، بل ينفرون منها. إنهم يرون أن ما يقومون به تجاه العالم الإسلامي، والمقدسات الإسلامية، واجب عليهم، ولا يليق بأن يتحول إلى منصة دعاية.