العالم العربي ما قبل «عاصفة الحزم» ليس هو ما بعدها؛ يبدو ذلك واضحاً وجلياً في التعاطي والثقة التي تعلو المشهد العربي في شرم الشيخ، فالدول العربية ظهرت بشكل أكثر تماسكاً أمام القوى الدولية؛ التي رأت في التحرك السعودي والإجماع العربي مفاجئاً، ولا يعكس الحالة التي عرفت عن «جامعة العرب» التي دائماً ما كان التردد والخلاف والأحادية سمة سائدة في تحركها على مدى عقود مضت. التفاؤل الذي نراه اليوم يعكس حالة إيجابية لم تتوقعها بعض الدول الإقليمية والغربية، التي لا يظهر أنها مرتاحة لإجماع عربي حول أمن المنطقة، إذ لطالما أرادت تلك الدول التحكم في هذا المتغير باعتباره امتيازاً تساوم عليه الدول العربية، وهو ما نراه متجلياً في القضية السورية التي تراوح مكانها منذ حوالي خمسة أعوام في ظل ابتزاز روسي فاضح؛ مع تراجع الدور الأميركي المتردد والمريب تجاه الأحداث، التي عصفت بالوطن العربي، وهو ما أشعل خلافاً بين الرياض وواشنطن. لقد بانت إرهاصات التغير الذي تقوده المملكة في المنطقة منذ (30 يونيو 2013) يومها وقفت الرياض مع أمن مصر؛ ودفعت ضد واشنطن، التي كان موقفها لا يتماثل مع خبراتها المتراكمة في المنطقة، ولا يعكس رؤية واضحة تجاه الأمن الإقليمي. وكان لزاماً أن تأخذ المملكة قراراً وجد تجاوباً إيجابياً أوروبياً. إن اعتماد الدول العربية على صون أمنها سينعكس استقراراً على أوضاعها في المستقبل القريب، ومواجهة الدول الغربية التي اعتادت على التدخل لن يكون سهلاً، فالقوى الكبرى اليوم تنتقد وغداً ستدعم وتستنكر وتستقطب، لكن الخبرة التي خرجت بها الدول الخليجية من دعم مصر واليمن جديرةٌ بالاهتمام؛ فالعالم ليس روسيا وأميركا، بل هو عالمٌ متعدد الأقطاب، صحيح أن العلاقات الدولية تبدو معقدة اليوم لكن السياسة هي فن الممكن. الخطاب السعودي الذي تمثل في مداخلة وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، والتي أعقبت رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القمة العربية، هو اللغة التي يفهمها الغرب، فالحديث عن مبادئ القانون الدولي وشجب التدخل الخارجي لا يفترض أن تتحدث به موسكو التي أوغلت كثيراً في استغلال الدم السوري وتدخلت في شأنه حتى غدت جزءاً من المشكلة ثم تأتي لتتحدث عن الوضع الأمني الخطير في المنطقة. قلنا بالأمس إن الأيام ستكشف عن واقع جديد يفرض فيه العرب أجندتهم على القوى الغربية. دول التحالف العربي هي الدول المؤثرة في الشرق الأوسط، ومصلحة القوى الدولية السياسية والاقتصادية، هي مع هذه الدول، لكن ما يسيء الغرب هو المبادرة والقدرة على الاستقلالية والتحرك بعيداً عن ضوء أخضر غربي. *نقلا عن "الرياض"