2015-10-10 

«عاصفة الحزم»: مجازفة أم فرصة للإحياء العربي؟

غسان العطية

تناول كثيرون من السياسيين والخبراء الأجانب عملية «عاصفة الحزم» بالتحليل محذرين من انزلاق اليمن إلى حرب أهلية طويلة أو استنزاف للسعودية وانتشار للفوضى في الشرق الأوسط. ولكنهم لم يقدموا حلاً أو بديلاً للعمل العسكري سوى النصيحة بالتفاوض والحوار. فاللجوء للقوة فرضه رفض الحوثيين هذا الخيار وذلك بخرقهم المبادرة الخليجية والدعوات للحوار، مع استمرارهم في فرض الأمر الواقع عبر السلاح مروراً بالانقلاب على السلطة الشرعية وصولاً للتهديد باجتياح عدن. نعم، الأزمة اليمنية لا تحسم بالسلاح وذلك لطبيعة اليمن القبلية والطائفية، ولكنه أصبح ضرورياً لإقناع الطرف المتسيّد بأن خيار العنف لا يجدي، وبالتالي عليه أن يقبل الحوار بين أطراف متساوية. لقد أراد الرئيس اليمني عبدربه هادي منصور التفاوض، ولكن ليس تحت تهديد الحراب، وطالب لإنجاح الحوار بانسحاب كل العناصر المسلحة من مؤسسات الدولة، وسحبها من صنعاء والمدن، وإعادة الأسلحة المنهوبة من مخازن الدولة، وأخيراً الالتزام بقرارات مجلس الأمن والعودة إلى المبادرة الخليجية. جاء رد الحوثيين بالمزيد من العنف بما أسقط خيار الحوار. ماذا كان يعني الرضوح للأمر الواقع وقبول الهيمنة الحوثية؟ فلأول مرة أقحم الحوثيون الطائفية السياسية في الصراع الأهلي في اليمن، فعلى رغم أن الزيدية مذهب إسلامي مستقل، وهو تاريخياً أقرب للمذهب الشافعي منه إلى المذهب الشيعي الإثني عشري، فإن قادة الحوثيين لبسوا العباءة الشيعية كأداة سياسية لكسب الدعم الإيراني، الأمر الذي كرس انقساماً طائفياً لم تعرفه اليمن من قبل، وأقحم اليمن في صراع طائفي تدعم إيران طرفاً فيه. وأمام مثل هذه الحالة، وكما حصل في العراق، سيجد سنّة اليمن، في حال عدم تدخل العرب لإعادة التوازن، أن خلاصهم هو بيد عناصر التطرف الإسلامي المتمثلة بـ «القاعدة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» التي دشنت نشاطها بتفجير جامع للحوثيين. ومن مخاطر الحرب الأهلية اليمنية، في حال غياب مبادرة عسكرية عربية، تشظي اليمن ليخضع بعضه لنظام متحالف مع إيران، وأقاليم أخرى تتحكم فيها قوى متطرفة مختلفة على غرار الحالة السورية. فلم يُعرف عن السعودية تورطها في أي مجازفة غير محسوبة، لا بل اتّسمت قراراتها بالتأني والصبر إلى حد التردد، وهذا ما كان يؤخذ على دول الخليج في تعاملها مع العراق بعد احتلاله عام ٢٠٠٣، وربما شجّع هذا الانطباع الحوثيين على المضي بنهجهم، بما دفع البعض للقول أن رد السعودية جاء متأخراً. والخطوات التي اتخذتها السعودية في بناء تحالف خليجي أولاً وثم عربي وصولاً لدعم إقليمي (تركيا وباكستان)، يؤسس لتحالف إقليمي عربي معتدل في مواجهة التطرف في اليمن (حوثياً كان أم قاعدياً) ونجاحه هناك يؤسس لحالة عسى أن تمتد إلى سورية والعراق. ومن تداعيات المبادرة السعودية تجسير الهوة بين أطراف التحالف الجديد. فمصر وقطر على طرفي نقيض في شأن الإخوان المسلمين وليببا، وكذلك الحال بين مصر وتركيا، ومع ذلك التقت كل هذه الأطراف للتعاون في مواجهة تهديد يمس أمنهم ككل. لقد كانت السعودية ومعظم دول الخليج في حالة تناقض مع التيار القومي العربي المتمثل بعبدالناصر (حرب اليمن ١٩٦٢-١٩٦٧)، والقذافي، وصدام حسين (احتلال الكويت ١٩٩٠)، ولكن اليوم هناك حاجة لعودة الوعي والتضامن العربي متمثلاً بقيادة معتدلة تحترم خصوصية كل قطر عربي، وتستفيد من أخطاء التيار القومي السابق. فأخطاؤهم يجب ألاّ تدفعنا للتخلي عن انتمائنا العربي، كما أن أخطاء «القاعدة» و «داعش» يجب ألاّ تدفعنا للتخلي عن الإسلام. وما يميز «عاصفة الحزم» أنها مبادرة سعودية - عربية لم تنتظر ضوءاً أميركياً أخضر. فواشنطن المنشغلة بالملف النووي مع إيران ليست في وارد مثل هذا التحرك. والنجاح الذي حققته القمة العربية من حيث الحضور والاتفاق يمثل نقلة لم نشهدها منذ عقود في عمل الجامعة العربية. إن نجاح «عاصفة الحزم» قد يؤسس لوعي عروبي جديد بقيادة عربية معتدلة تعيد مصر إلى دورها العربي، وتعيد للعرب الثقة بأنفسهم، الأمر الذي فقدناه طويلاً، فتصبح معركة اليمن صراعاً عروبياً ضد آخر طائفي. ويُعتبر قرار مؤتمر القمة العربية بتشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة قوامها ٤٠ ألف مقاتل خطوة تعمّد عروبة «عاصفة الحزم». فمعركة اليمن يجب أن تحارب براية عربية وليست طائفية. إن انتصارا ًلإيران (المتشددة) في اليمن لا يحتاج إلى إرسال قوات إيرانية وإنما يكفيها انزلاق اليمن في مستنقع الاستنزاف الطائفي، كما الحال في العراق وسورية، ولكنه، في المقابل، فرصة لإيران (الاعتدال) لتدشين مرحلة جديدة بدفع الحوثيين إلى طاولة التفاوض. وأخيراً فـ «عاصفة الحزم» فرصة للإحياء العربي من منطلق عروبي جامع للمسلمين العرب، ولكنها ستكون مجازفة غير محسوبة إن تم التعامل معها كذراع عسكري في صراع طائفي. *نقلًا عن الحياة

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه