مر علينا زمن نسينا فيه سفارتنا في واشنطن، فلا يرد لها ذكر إلا في قضايا المبتعثين ومشكلاتهم، أما السفير عادل الجبير فلا يظهر إلا مترجماً مع الملك إن جاء الرياض زائر مهم من واشنطن. الجبير شخصية قليلة الظهور ولا يعتبر من صقور الإعلام مثل الأمير تركي الفيصل، الذي كانت فترته في واشنطن تزدحم بالتصريحات والحوارات، وليس وجهاً نشطاً مثل غازي القصيبي، الذي يحيل أي مكان يستقر فيه إلى مسرح حيوي وجذاب. في اللحظة التي أطلق فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «عاصفة الحزم» نصرة لليمن وتلبية لطلب رئيسه الشرعي وتحصيناً له من خراب شامل أوشك أن يغطي سماءه، كان الجبير يعلن بدء العملية من واشنطن معلناً أهدافها والدول المشاركة فيها والدعم الدولي لها، كاشفاً عن حضور مختلف امتد بعد ذلك إلى سلسلة من الحوارات في البرامج التلفزيونية الأميركية، شارحاً السياسة السعودية وملامحها ومحرراً الأسئلة الحائرة من عقالها. ظهور عادل الجبير بهذه الروح والثقة والدقة في العبارات والفهم الكامل لمنحى الدولة ومواقفها الثابتة منحه هيبة كانت مفقودة، وعزز الحضور السعودي المشرف عبر رجالاته المحترفين الواثقين. من جهة أخرى، فوجئ الجمهور السعودي والخارجي بمستشار وزير الدفاع المتحدث باسم قوات التحالف لدعم الشرعية في اليمن العميد ركن أحمد عسيري، إذ كان تعبيراً قوياً عن «عاصفة الحزم» في قوتها وصلابتها ودقتها وغيرتها على اليمن. هذا الرجل العسكري بوقفته الصلبة وبنيته المتينة ونظراته الحادة، كشف مهارة وتماسكاً في التعبير، لغته عالية المستوى، كلماته ارتجالية إلا أنها منتقاة بعناية فلا تسبب خلطاً أو لبساً، شروحاته واضحة ومحددة. لم يكن مجرد رجل يسرد العمليات اليومية، بل كرر كثيراً الحرص على سلامة اليمنيين بلا استثناء، وأنهم يستحقون كل التضحيات، حتى إن اقتضى الأمر تجاوز أسلحة خطرة مدسوسة بين منازلهم، داعياً إياهم إلى البعد من هذه الأماكن، لأن هذه الأسلحة خطر على الجميع، تحركها قوى لا غاية لها سوى تدمير اليمن وتهديد جيرانه، حتى أن ظهوره اليومي علامة طمأنينة وتفاؤل لليمنيين قبل غيرهم. هذان الرجلان وظهورهما الممنهج، وحسن اختيارهما، من الملامح الرائقة لـ «عاصفة الحزم»، إذ انتقت خير من يمثلها وينقل رسالتها ويوضح مهمتها النبيلة سياساً وعسكرياً. الجبير سفير أمضى سنوات في واشنطن ولم يكن ينقصه سوى قضية كبرى تشحذ طاقاته، أما اختيار العميد عسيري فلا شك في أنه كان مهمة شاقة ومدروسة بذكاء، ليكون تجسيداً دالاً على العملية وخير متحدث باسمها. الخلاصة أن السعودية لم يقتصر نشاطها على العمل الميداني الضروري والخطر، بل رسمت كل التفاصيل، فمن يرَ عسيري يوقنْ أن هذه الدولة لم تغفل شيئاً، وأن خطواتها من الدقة والتماسك حتى لترسم تحفة مكتملة من التناغم بين العملَين العسكري والسياسي. القوة هي التي ترسم الخريطة على الأرض وتحدد خطوطها، لكن حنجرتها المجلجلة هي التي تنقل الرسالة والمهمة والهدف.