"إن ابتعاد تركيا عن التأثير في هذه المنطقة، على الرغم من قربها من الخليج، الذي يمتلك أهم موارد الطاقة في العالم، أهم نقطة ضعف في ماضي السياسة الخارجية التركية". من كتاب العمق الاستراتيجي لرئيس الوزراء أحمد داود أوغلو. هكذا تبدو نظرة أهم منظّري السياسة الخارجية في تركيا لمنطقة الخليج العربي، وعلى الرغم من الانفتاح الذي شهدته تركيا على المنطقة العربية إلا أنه للحظات كانت العلاقات بين قطبي الشرق الأوسط (المملكة وتركيا) على وشك الانهيار على خلفية الأحداث في مصر. لكن الرياض وأنقرة يبدوان أمام حالة من التقارب الواضحة، لا تخضع للمساومة أو المقارنة أو أي تعاطٍ آخر، سوى استقلاليتها واعتمادها على معادلات سياسية واقتصادية بحتة، غير ذلك، فهي لا تعدو إلا أفكاراً طائشة جاد بها خيال يفتقد الحكمة. يزيد من حالة التقارب بين البلدين رؤيتهما المشتركة والموحدة تجاه دور إيران في المنطقة، وتحديداً في اليمن، فقد رفض في (2012) وزير الخارجية التركي آنذاك داود أوغلو التدخلات الإيرانية في اليمن باعتبارها تمس الأمن اليمني، وهو القلق ذاته الذي تشعر به المملكة، لكن الموقف الذي حصل بإطلاق عملية "عاصفة الحزم" لاستعادة الشرعية وضبط الأمن الإقليمي فاجأ الجميع، وكان رد الفعل التركي الذي جاء على لسان الرئيس أردوغان - الذي كان أول الواصلين في جنازة الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ومن أوائل الزائرين للمملكة في عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز - مؤيداً ل"عاصفة الحزم" على الرغم من الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها الرئيس التركي الشهر المقبل إلى طهران، ويبدو ذلك موقفاً مباشراً لا يحتمل المجاملة بل يتطلب حزماً؛ رأته أنقرة مطلوباً في هذه اللحظة، فإما الكف عن الأساليب العدائية أو تحمّل تبعات ما ينتج عن ذلك؛ إذ تشعر أنقرة أنها والرياض في خندق واحد، فكان أن اعتبر الرئيس أردوغان أن طهران تسعى للهيمنة على المنطقة، بعد أن حاولت إيران العبث في أمنها الإقليمي؛ وهذه المرة من بوابة اليمن. القلق والتنافس هما سمة تاريخية للعلاقات التركية - الإيرانية، إذ لطالما كانت الدولتان (العثمانية والصفوية) في حالة عداء مستحكم على منطقة الهلال الخصيب، فالحضور الإيراني - في مشهد دمشق وبيروت وبغداد التي اعتبرها علي يونسي مستشار الرئيس روحاني عاصمة الإمبراطورية الإيرانية - يزعج تركيا التي ترغب في تقديم نفسها كنموذج عصري لدول الشرق الأوسط، وقوة إقليمية فاعلة، ولن يتسنى لها ذلك، وهي ترى أن إيران تسعى للهيمنة وافتعال المشاكل من خلال ذات المتغير "الطائفي" الذي أشعل حروب العثمانيين والصفويين. وعلى الرغم من تطور العلاقات بين أنقرة وطهران بين 2010 - 2012، إلا أنها لم تصمد بفعل الأزمات المتلاحقة في الشرق الأوسط. المملكة وتركيا - اليوم - أمام فرصة لإطلاق مرحلة جديدة في شكل العلاقة بينهما، ونرى أن اجتياز "اختبار مصر" أثبت قوة علاقتهما وقدرتهما على الذهاب بعيداً في مواجهة ما يمكن أن يهدد مستقبل المنطقة. * نقلا عن "الرياض"