لو صبغنا العالم كله بلون فكرة واحدة لأصبح مملا، فاقد الإدهاش، ولتوقفت عقولنا عن التفكير، والتجدد. إن الإختلاف هو المحفز الأساسي للحركة، والتغيير، والتطور. ولا يمكن الوصول إلى معنى جديد لحياتنا دون الحوار، فهو البوابة الأولى للإكتشاف، والإنطلاق في عوالم متغيرة.
ولعل فكرة الحوار موجودة في حياتنا منذ الأزل، ولكن السؤال عن شكل الحوار، وهيئته، وطريقته، كيف وأين ومتى؟
قبل البدء في أي حوار لابد علينا أن نبدأ حوارنا ونحن نعي أن للحوار ضوابطه، وثقافته، التي لا يحيد عنها في أي ظرف كان؛ فثقافة الحوار هي التي تجعل من الحوار مفيداً، نافعاً. وفي غياب هذه الثقافة، فإن الحوار يتحول إلى مجرد رحلة عبثية، ومضيعة للوقت.
إن ثقافة الحوار هي التي تجعلك تبدأ حوارك وأنت راغب في التعلم. أن تكون رحلة اكتشاف، وليست معركة لابد ان ينتصر فيها طرف على آخر. إنها رحلة معرفية، يستنير فيها الإنسان بآراء مختلفة عن آراءه، ويضيف لرصيده المعرفي جديداً لن يجده إذا لم يحاور إلا نفسه. الحوار هو التذكار اليومي للإنسان بأنك لست وحدك في هذا العالم، وأن الآخرين ليسوا مجرد مرايا لك، ينقلون صورتك، ويقلدون صوتك، بل هيئات مختلفة، وعقول متجددة، وأصوات أخرى.
وعلينا أن نعرف أن معظم الحوارات ليست خاضعة لمقاييس الصحة، والخطأ، لأنه لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، فكلنا نبحث عن الحقيقة، أو نحاول الوصول إليها بكل الطرق. وبمجرد اعتقادك أنك تملك الحقيقة، فإن هذا الحوار انتهى قبل أن يبدأ. لقد أغلقت الباب الذي كنت تحاول فتحه.
بدون التزامنا بالثقافة الحقيقة للحوار فإن الحوار يغدو وكأنه محاولة نحت على النهر: جهد مضني ولكن بلا أثر.
الحوار هو حوار أفكار في المقام الأول، وليس حوار أشخاص. إذا تحول الحوار الى حوار بين شخصين، دون فكرتين، فهذا حوار لا طائل منه، ورحلة إلى المجهول.
خطأ الأخطاء أن تبدأ حواراً وأنت تملك حكمك المسبق على الشخص الذي تحاوره. أن تبدأ في حوار وقد أعلنت الإجابة مسبقاً لكل أسئلتك، وتريد من محاورك فقط أن يوافقك الرأي دون جدال، وإلا كانت المعركة. هذا ما يجعل كثيراً من حواراتنا لا تضيف لسامعيها فائدة تذكر، لأنها تحولت إلى معارك شخصية، أكثر من كونها فكرية. وللأسف فإن هذه هي السمة الغالبة على معظم حواراتنا في العالم العربي، ولعل نظرة واحدة على برامج التلفزيون الحوارية تكشف لك الحقيقة، وكيف أنها تحولت إلى ساحات ملاكمة، وتحاور المحاورون بالكراسي، والأقلام، وكل ما توفر على المائدة!
لابد أن نستوعب أن كثيراً من الأفكار التي نتعامل معها كمسلمات في عقولنا، تحمل الكثير من الإجابات على سؤال واحد، وبعض الآراء التي لا تعجبك عليك أن تتعايش معها، وتتقبلها، لا أن ترفضها، وتحاربها. لابد وأن تؤمن بحق الآخرين في التعبير عن أفكارهم دون أن توافق بالضرورة عليها، فأحياناً يكون التعايش أهم من الحوار.
الحوار ثراء روحي ومعرفي، ورحلة ممتعة للراغبين في أن يضيفوا لمخزونهم المعرفي، ويتطلعون لرحلة جديدة في هذا العالم الكبير.