شاهدت برنامجًا تلفزيونيًا يقول فيه ضيف مشارك إن السعوديين شعب صحراوي لا يساوي شيئًا، وإن الإسلام ما كان لينتشر لولا بلاد الشام. ولي في المسألة رأي، أرجو أن يتسع له صدر أصحاب النظرة الحديثة إلى الصحراء والإسلام والهلال الخصيب. أولاً، هذه الصحراء قسمة عربية عامة ليست محصورة بالسعودية.. أولها وأهمها في التاريخ والجغرافيا ما تعارف الجميع على تسميتها «الصحراء السورية»، امتدادًا لصحراء السعودية! وهناك ثانيًا صحراء سيناء، التي منها السيدة هاجر، أم إسماعيل، أبي العرب.. ثم عدّد معي: صحراء الجزائر، وصحراء ليبيا، والمغرب، وتونس، والرمال التي ولدت فيها الحضارة المصرية، وصحاري اليمن. ويا مولانا، آسفون، صحاري بصحاري، فما العمل؟ ويا مولانا، آسفون مرة أخرى، لأن العالِم «ل. كيتاني» يقول إن حضارات الهلال الخصيب من العراق إلى الشام، أي الساحل الشرقي للبحر المتوسط، «ليست إلاّ نزوح الفائض من بدو الصحراء إلى وادي الفرات وإلى الشام، حيث استقر البدو في المدن والقرى». آسفون، ونصف الأدب العربي، على الأقل، صحراوي سعودي؛ بما فيه الصخرة التي كان يلتقي عندها عنترة ابنة عمه عبلة، و«يا دار عبلة بالجواء تكلّمي». ومعها عكاظ والمعلقات الذهبية السبع، أو العشر.. ونحن معك في أن المناخ الصحراوي حار جدًا، لكن ليس في حرارة التأزم الذي يصيبنا هذه الأيام. ويا مولانا، الغضب أعمى، ويدفع بالغاضب إلى حيث لا يقصد. فأنت لا شك عندما قلت إن الإسلام لولا الشام لما كان، حتى لو نزلت الرسالة في الصحراء، فهذا شطط الغاضبين. في الغضبة المقبلة نتمنى ألاّ تغطي رمالها حقائق العرب وتاريخهم. فإذا كانت لغتنا هي أيضًا قد جاءت من الجزيرة، فما العمل؟ وحضرتك تقول إن «الاسم العلمي» للخليج هو «الفارسي»، فماذا عن الاسم العلمي لـ«الجزيرة العربية»، وماذا عن لغة التنزيل؟ وأما «الخليج الفارسي» الذي اعتمده الغرب، فالذي أطلقه هو الإسكندر عندما كان يحارب فارس، وليس «العلماء». لست باحثًا في التاريخ، ولا عالمًا في الجغرافيا. ولكن هناك مبادئ وبديهيات في تاريخنا يجب ألا يجرفها الغضب وألا نطرحها كحقائق. والمؤسف أن هذه ليست نظرياتك وحدك، بل وردت على لسان مسؤولين صدف أنهم أيضًا غاضبون في السياسة، فأنزلوا غضبهم على التاريخ، وتحدثوا كقوم عنصريين، بعدما كانوا يبشروننا طوال عقود بالوحدة الكبرى من المحيط إلى الخليج. فماذا يحدث إذا قررنا استثناء الصحراويين إكرامًا لطهران؟ وماذا يبقى من بلدان العرب؟ الحقيقة أن «عاصفة الحزم» تستحق الغضب، لكن ليس إلى درجة نقل الإسلام من مهده. هذه صعوبة كبرى. نقلاً عن الشرق الأوسط