2015-10-10 

احترس: ضحك من غير سبب

علي سالم

في حديثي السابق معك، ذكرت لك عدة تعريفات أوردها فرويد في كتابه «النكتة وعلاقتها باللاوعي» ولعل أهم ما توصلنا إليه، هو أن وظيفة الكوميديا بشكل عام والضحك أهم أركانها، هو اكتشاف القبح في كل نواحي حياتنا ثم كشفه وإظهاره تمهيدًا للقضاء عليه. هذه هي المهمة الصحيحة والنبيلة لكل أنواع الضحك. لحظة من فضلك، دعنا نتوقف هنا لثوان، أليس هذا الهدف: اكتشاف القبح أو الخطأ أو المرض، هو نفسه ما يسعى إليه العلماء والفلاسفة والمفكرون والمصلحون الاجتماعيون ورجال الدولة العادلون الأقوياء؟ حتى بعض العجائز الظرفاء الذين يطلقون تعليقات تثير الضحك، أليس من السهل أن نكتشف في تعليقاتهم كشفهم لخطأ أو لعيب أو لقبح لم نتنبه نحن لوجوده؟ سأترك الآن الأخ فرويد وتعريفات الكتّاب الألمان للضحك، وأعود لتراثي الشعبي باحثا عن فكرة أجدادي وأجدادك عن الضحك.. لن نبحث طويلا في خانات المكتبة الشعبية، استوقف أي شخص في الشارع واسأله: ماذا تعرف عن الضحك؟ سيرد عليك على الفور ضاحكا: الضحك من غير سبب قلة أدب. يا لها من وجهة نظر جديرة بالدراسة، لا بد من وجود سبب للضحك وإلا تحول إلى سلوك مرفوض يصدر عن شخص منعدم التهذيب. كلمة السبب وخصوصا في الاستخدام اليومي الشعبي تعني أيضا القضية وهو نفس ما تعنيه الكلمة في اللغة الإنجليزية (Cause) أي أنه لا بد من قضية لأي ضحكة ولكل عمل كوميدي. هذا هو بالضبط ما نقصده باكتشاف القبح المختبئ وإظهاره بهدف القضاء عليه. ويا صديقي الكوميديان، أعرف أنك خفيف الظل، وأنك إنسان ظريف، وأنك قادر على القيام بحركات مضحكة.. ولكن أين القضية في كل ذلك؟ أين هو ذلك الخطأ أو القبح الذي لا تتنبه الناس لوجوده وتريد أنت أن تكشفه؟ يا صديقي.. والله مهمتك صعبة للغاية وتتطلب إعدادًا شاقًا. عليك أن تقرأ كل المسرح الإغريقي. أرجوك لا تتصور أن المطلوب منك هو أن تقوم بدراسة الأعمال الكوميدية فقط، التراجيديا هي معلمك الأول في المسرح، ثم اقرأ أعمال أريستوفانيس أعظم من كتب الكوميديا في التاريخ. الباقي سهل للغاية. ما رأيك أن نتوقف قليلا عند الكاتب الفرنسي موليير، لأنه خاض من قبل نفس معركتك التي تخوضها الآن ضد الدجل والدجالين الذين يستخدمون الدين لتغذية عقدهم الشخصية وللسيطرة على الناس لتحقيق أطماعهم الخاصة. اقرأ مسرحية «تارتيف» إلى أن يأتي الوقت الذي يسعدنا فيه الزمن وتقدمها أنت على المسرح. تارتيف دجال يدخل أسرة رجل ساذج من ذلك النوع الذي يسحره الدجالون، يتحرش بابنته الشابة ويتحرش بزوجة الرجل، وتحاول الزوجة تنبيه زوجها بكل الوسائل أن ضيفه ليس أكثر من مجرم دجال ولكنه طبعا لا يصدق. وينتهي الأمر بالدجال وقد استولى على بيت الأسرة. بواسطة التزوير والاحتيال. هنا تنتهي المسرحية دراميًا بانهيار هذه الأسرة وضياع بيتها. ولكن يبدو لأسباب رقابية أو جماهيرية كان لا بد من نهاية سعيدة تقوم فيها السلطات بالقبض على الدجال. صدقني يا عزيزي المسرحجي، أنت تقوم بنفس الدور الذي يقوم به أخوك الجندي على الحدود.. لا تنس ذلك. * نقلا عن الشرق الأوسط

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه