هذه السنة الكبيسة قدر الله أن تكون مليئة بالأحداث التي اجتاحت العالم، حتى وصلت لوطننا الحبيب وسعوديتنا المعطاء، فظن البعض أنها سلبية محضة؛ لكن رب ضارة نافعة.
فمما أفرزته أزمة هذا الفيروس المجنون على الصعيد الاجتماعي اكتشاف فئة جديدة قديمة ممن احتضنتهم أرضنا بكل حب، راقتني تسميتهم : "مواطنو عين في الجنة وعين في النار" .
هؤلاء يمكنني وصفهم بأنهم أشخاص يحملون سمات نفعية، تعمل على الاستفادة القصوى والحصول على كل امتيازات المواطنة أو الإقامة، سواء مالية أوصحية أوتعليمية أووظيفية أوتأهيل وتدريب أوابتعاث إلخ... ، دون أن يُظهروا أي التزام أدبي وأخلاقي تجاه هذا الوطن، أو يبدو منهم أي احترام لقوانينه وقرارت قادته، والتي تصب في صالحهم؛ بل بلغ السوء منهم مبلغه حين جهروا بالتذمر من إجراءات تهدف لحمايتهم ومن يحبون، لتبدو علاقتهم بهذه الأرض علاقة حب لغرض واحد لشخص يحبهم من طرف واحد .
هذه الفئة تنتشر حول العالم ، ويشتركون بسمات نفعية، تقوم على الاستفادة القصوى من الميزات التي يتحصلون عليها أينما كانت، وعلى البحث عن متعتهم وراحتهم مهما كلف الأمر، دون أدنى احترام ولا مراعاة لأوطانهم التي احضنتهم، ولا لأنفسهم .
على سبيل المثال، فإن الفيروس المجنون كشف مواطني عين في الجنة وعين في النار، ممن يجدون متعتهم في المدينة (أ) (قم) كما أسماها المسؤول الخليجي، ومنهم من يجدها على ضفاف بحيرة أوزونجول، كما تخبرنا الإجازة الصيفية كل عام، علما أن هذه الانبساطة كلفت البعض صحتهم وكرامتهم وأرواحهم.
هذا عدا عن بعض المشاهير الإعلانيين - لدينا وفي الدول المجاورة - المتذمرين من تأثر سوق الدعايات بالإجراءات الاحترازية من الفيروس المجنون؛ حيث وصلوا لدرجة مقاومة تلك الاجراءات بإطلاق الدعوات للناس للخروج للأماكن العامة والتنقل والسفر، وأن الفيروس لايعدو كونه مجرد دعاية مغرضة وشائعة مفبركة أو عارض صحي أعطي أكبر من حجمه، كل هذا لإشباع حساباتهم البنكية وألا تنقص فلسا واحدا، ولكي لا تتأثر أعمالهم الدعائية، حتى لو كان الثمن سلامة وصحة الاتباع الدفيعة المغيبين، وتقويض جهود دول استنفرت كل طاقاتها لاحتواء الفيروس .
أما بعض الأباء والأمهات ومحاولتهم التخلص من مسؤلياتهم تجاه أطفالهم بسبب تحويل الدراسة إلى نظام التعليم عن بعد ومطالبتهم بعودة المدارس، فإن الكلمات تقف حائرة أمام هذه الفئة من مواطني عين في الجنة وعين في النار .
إن النظام الرعوي الحكومي في دول الخليج، والذي يتسم بالحماية الزائدة لرعاياه، كان أرضا خصبة لنمو وتكاثر هذه الفئة من البشر (عين في الجنة وعين في النار) والتي انظم لها بعض المقيمين فيها بغرض العمل وكسب العيش وتكوين مستقبلهم ومستقبل أولادهم وأحفادهم.
وعندما تتأمل أسماء بعض من يعمل في الصحف الغربية والمنظمات الدولية التي تهاجم وطننا السعودية وقيادتها - حفظهم الله جميعا- تجد أن معظمهم ولدوا وتربوا في دول الخليج العربي، وتجد أن للسعودية نصيب الأسد من احتضان هؤلاء العاقين.
قد يقول قائل: لماذا لا يذهب هؤلاء إلى حيث تهفوا قلوبهم؟ الإجابة ببساطة ياعزيزي : أن من تهواه قلوبهم لايعطيهم أي ميزات حقيقية، بل يمعن بإهانتهم و إذلالهم بل وإثقال كاهلهم ماديا ومعنويا؛ ليدفعوا ثمن إقامتهم، حتى ولو كان من تهواه قلوبهم هو بلاد العم سام.
والغريب أنه تختفي في حضرته أي محبة أو ميل أو دلال لأرض احتضنتهم - مواطنين كانوا أو مقيمين - فيخضعون لشروط من يهْوون، حتى لو جعلهم يلعقون ويتنفسون الوباء، حتى وإن لُطموا على وجوههم في مطاراته، حتى لو اضطروا للعمل ليل نهار ليدفعوا مقابل حياة كريمة لهم ولابنائهم على أرضه، ومع ذلك فإنهم في النهاية لايجدون ربع امتيازات الأوطان التي يحملون جوازاتها أو حق الإقامة فيها.
إن وطنا تديره حكومة مسؤولة كحكومتنا الرشيدة، لا تنتظر مقابلا ولا تريد شيئا - ممن يحمل جنسيتها أو بطاقة إقامة على أرضها - سوى القيام بواجبات المواطنة والإقامة ليس أكثر - أو على الأقل أن لاينظر إليها كفندق خمس نجوم أو محطة تعبئة نقود - هو الوطن بحق، وطن عزة وكرامة، وقيمة ومهابة، وطن يُفتدى، وتُبذل دونه النفوس، وطن تقوده قامات شامخة، تترفع عن كل دنيء ودنية، ليست مضطرة لمراعاة مصلحة خاصة لأحدهم على حساب "الوطن والمواطن".
وعموما فتلك كلمات لا يدركها ولايفقه معناها النفعيون، والذين سيموتون وهم عين في الجنة وعين في النار.
ختاما، يقال إن علاقة الحب من طرف واحد دائما ما تفشل، لذا تجنب عواقب هذا الحب، باختيار من يبادلك إياه، ويحترمك، وإلا فإنك ستخسره وتخسر معه نفسك إلى الأبد.