أيدت وكالة بلومبرج الأمريكية في تقرير، ترجمته الرياض بوست، الرأي القائل بأن الفكر الاقتصادي لما بعد النفط أصبح ضرورة بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فلم يعد الحديث عن هذا الملف من قبيل الرفاهية، بل هو أمر مسلّمٌ به ومن نافلة القول، فالمملكة العربية السعودية تقضي هذا الأسبوع كالعادة على مدار الأسابيع الماضية: أي في مواجهة روسيا، وتواصل الرياض تلقي المكالمات الهاتفية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وافتراض وضع خطة لإنقاذ العالم (النفطي). ولم يتبقَ سوى ساعات، حتى تترأس اجتماعًا طارئًا لأوبك+ ؛ الخميس، ويوم الجمعة يعقد اجتماع افتراضي لوزراء الطاقة في مجموعة العشرين.
مع تقدم فرص الولوج في المرحلة العالمية، تأتي هذه المرحلة بتكلفة كبيرة: مثل معظم مصدري النفط، تواجه البلاد انخفاضًا حادًا في الطلب. لكن هذا لا يتعلق بالمال فقط. وأوضح كتاب جديد لماذا كانت أزمة Covid-19 طعمًا لمشكلة أكبر بكثير: فالعالم المعتاد آخذ في التفكك.
أما الكتاب الذي يشير إليه التقرير فهو بعنوان: "الأمم المفككة"، للمحلل الجيوسياسي بيتر زيهان، والواضح من عنوان أنه يقدم سخرية مستترة من فكرة "الأمم المتحدة"، واشار التقرير إلى أن قراءة الكتاب قد تبدو جذابة، لكنه لا يتوقع نهايات سعيدة. يدعي زيهان أن النظام العالمي القائم بعد الحرب العالمية الذي استند إلى حد كبير على الرعاية الأمريكية قد بدأ ينهار، في أعقاب 70 سنة من التزام أمريكي قوي تجاه حماية التجارة الحرة وتوفير ضمانات أمنية شاملة ولو اضطرت واشنطن لاستخدام القوة.
في تلك البيئة الجيوسياسية اكتسبت المملكة العربية السعودية زخمًا وتأثيرًا وقوة، فالمملكة تتمتع بعدة عوامل تمنحها العنفوان والقوة، فهي ذات كثافة سكانية منخفضة، وتتمتع كذلك باحتياطياتها الهائلة من النفط كسلعة استراتيجية، وربما وضعتها تلك العوامل على رادار انتقادات القوى الكبرى. ولكن ظهور المملكة العربية السعودية كدولة قوية ولاعب إقليمي ومنتج رئيسي للنفط تزامن بشكل وثيق مع الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة. كما قال زيهان. وأشار إلى أن تحالف السعوديين القائم بدأ كتحالف مع عالم وافق على أن يكون أمن المملكة المطلق شرطا أساسيا للأمن الأوروبي وأمن شرق آسيا والأمن الأمريكي.
وحذر الكتاب من انهيار الركيزتين التوأمتين اللتين رسمتا الملامح العامة لنحو 90 عام الأخيرة من تاريخ المملكة، كما حذر من تقلبات سوق النفط وتذبذب الدعم الأمريكي، وهو ما اشتكت منه المملكة منذ ولاية أوباما، لم يعد النمو على المدى الطويل في الطلب العالمي على النفط أمراً مستحيلاً، والوباء الأخير يشبه الحمى، علاوة على تضاعف الأزمات في العراق وازدهار النفط الصخري الأمريكي وانحسار التأثير الأمريكي في الشرق الأوسط والتزامات واشنطن تجاهه بعد أن تقلص اعتماد الولايات المتحدة على النفط الشرق أوسطي، فقد تلاشى شعور واشنطن بالحاجة إلى الإبقاء على تحالفاتها التقليدية. وفي حين أن العداء المستمر بين واشنطن وطهران لا يزال يحتل عناوين الأخبار، لا ينبغي أن تنسَ الرياض تجاهل واشنطن لهجمات سبتمبر 2019 ضد منشآت النفط في أبقيق وخريص، فالموقف الأمريكي من الهجمات تذكير مهم بأن العالم تغير وكذلك الحسابات الأمريكية.
وتابع التقرير: "تحاول المملكة العربية السعودية التكيف. كان من السهل القيام بذلك عندما استقر النفط عند سعر 100 دولار، فماذا بعد أن انخفض إلى 30 دولارًا، في حين يوفر النفط حوالي ثلثي عائدات الحكومة، وهو ما يعاني بالتبعية عجز ميزانية بدأ منذ ست سنوات حتى الآن، وأشار التقرير إلى أن وجود ما يقرب من 700 مليار دولار هي عبارة عن صافي الأصول الأجنبية التي تمتلكها السعودية أمر مطمئن، ولكنه لا يعتبر حصانة مطلقة. وأضاف أن الإصلاح الاقتصادي المطلوب تحقيقه في السعودية من أجل الطمأنينة الكاملة يحتاج جهودًا خارقة، بلا مبالغة، بما في ذلك سياسات التوظيف الحكومي ودعم رواد الأعمال.
وتابع: "غالباً ما يجلب النفط ثروة هائلة، ولكن على حساب الديناميكية الاقتصادية، فأحد الجوانب الجديرة بالتأمل هو مساهمة دعم الوقود في تشويه استهلاك الطاقة في المملكة العربية السعودية، التي تحتاج إلى تعزيز البيئة الإقتصادية الصحية بينما تقف المملكة على أعتاب عالم يستعد لوضع المزيد من القيود على استهلاك الوقود الهيدروكربوني.
خلصت دراسة حديثة للنماذج المالية لأعضاء مجلس التعاون الخليجي التي نشرها صندوق النقد الدولي إلى أن الوصول إلى مسار أكثر استدامة سيتطلب تعديلًا فوريًا يعادل ما يقرب من ثلث الاقتصاد غير النفطي وغير القائم على الغاز في المتوسط، بعبارة أخرى، تقوم دول المنطقة، إذا استمرت في الاعتماد على النفط وحده، بتحرير شيكات لن تستطيع أجيالها المستقبلية صرفها.