2020-04-19 

٤ مفاهيم يفترض معالجتها اتساقا مع مفهوم الدولة وعمرها ومكانتها العالمية

عبدالله الذبياني

 

 

المجتمع: أي مجتمع ينمو كأي كائن حي، واتجاهات نموه أو الأبعاد التي تمكنه أن يتحرك فيها هي التي ترسم درجة وعيه بصورة عامة مع الوقت ومع تتابع الأجيال.

 

 

وهذه الحقيقة يلخصها مفهوم (التطور الاجتماعي) وفكرته أن المجتمعات تمر بمراحل محددة؛ وذلك عند انتقالها من النمط البسيط إلى نمط أكثر تعقيداً. فلقد تطور المجتمع البشري، في البداية، من الأسرة، إلى العشيرة، ثم القبيلة، فالقرية، فالمدينة، فالمجتمع القومي. كما تشير فكرة التطور، في أغلب الأحيان، إلى نوع من تماثل نمو الكائن الحي وتطوُّر المجتمع الإنساني، سواء في البناء أو الوظيفة.

 

 

في وطننا المملكة العربية السعودية، شهدنا قفزات كبيرة على عدة مستويات : مستوى الخبرة السياسية والتأثير الدولي لبلادنا ومستوى  التنمية والتعليم...وهي قفزات ربما لم يكن أكثر المتفائلين يقدرونها قياسا إلى تجارب دول أخرى تماثل بلادنا في النظام والموارد.

 

 

هذا النمو والتنمية التي قادت المملكة إلى مجموعة العشرين التي تمثل أقوى عشرين اقتصادا في العالم، كان من الضرورة أن يصحبها وعي جمعي يتعلق بآلية تفكير المجتمع وتعاطيه مع الدولة من ناحية تكريس مفهوم الدولة الوطن ، ومن ناحية تطور مفاهيمه تجاه الدولة باعتبارها دولة مؤسسات راسخة.

 

لا شك أنه حدث قفزة كبيرة في السنوات الماضية فيما يتعلق بمفهوم الوطن، وذلك نتيجة التعاطي الرسمي مع الخطاب الديني ومع مقررات التعليم ذلك لدرجة يمكن القول معها بثقة أن مفهوم الوطن أستعيد وترسخ لدى معظم أفراد المجتمع، حتى وسط نطاق واسع من الفئة التي كانت تُذيبه على حساب مفهوم ( الأمة).

 

 

هذه المسافة بين رسوخ الدولة وبين الوعي الجمعي الذي كان ضروريا أن يتوازى مع بقية القطاعات التي شهدت النمو والتنمية، هذه المسافة تركت عدداً من المفاهيم أو الممارسات الذهنية الخاطئة في المجتمع، وهي تنطلق أو تمارس بصورة طبيعية بل أحيانا أو في الغالب بحسن نية ويكون هدفها إبداء الولاء الوطني، في حين أنها في الحقيقة تفرز سلبيات  أو صورة ليست مواتية إما أمام الدولة نفسها أو لصورة الدولة أمام الآخر.

 

أما تلك المفاهيم التي لبثت في الذهنية الاجتماعية وهي لا تتماشى مع عمر الدولة، وبقيت جاثمة في الذهنية الاجتماعية، ربما تحتاج طرحا فكريا عميقا يرتفع بهذه الذهنية إلى مستوى دولة ترأس حاليا أكبر اقتصاد في العالم:

 

 

- (نحن دولة ولسنا بيت عنكبوت).. تظهر في أحيان كثيرة عبارات يراد بها إبداء قوتنا كدولة، وهي في حقيقتها ليست كذلك، لأن المؤكد لا يفترض أن يؤكد، ونافلة الفول لا حاجة لتكرارها ، ذلك أنه مع كل تحدي نواجهه يكرر البعض وربما يصل الأمر لبعض الطروحات الإعلامية ( السعودية لن تنهار)!!.

 

 

أولا وحتى نتجاوز هذه ( العبارة) علينا أن نعي أن مشروعنا الوحدوي بدأ من عام 1744 وبالتالي نحن دولة راسخة يقترب عمرها المديد من 300 سنة... وبالتالي فأن كلمة ( انهيار ) لا تليق بدولة بهذا العمر وهذه القوة الآن.

 

ثم أنه حتى في حال القياس على السعودية الثالثة الحالية. فالخطاب الآن غير مستقيم وليس ذو معنى، لأنها ببساطة هي دولة واقع بالنسبة لمواطنيها، فحسب إحصاءات 2019 فأكثر من 90 % من المواطنين ولد في كنف الدولة، وهو لا يعرف غيرها ولا يتصور عقله بديلا لها. هذا الخطاب ربما كان مناسبا للجيل الذي عايش مشروع الوحدة الثالثة. ( ربما تكون النسبة أعلى من ذلك بكثير فعدد الذين تتجاوز أعمارهم 80 عاما من المواطنين لا يتجاوز 250 ألف مواطن).

 

ثم أن هذا الطرح يعطي صورة سلبية في حال تناقله بصورة أوسع خارج نطاق الوطن وفي ثقافات ولغات أخرى، حيث سيُقرأ 

باعتباره مخاوف وليس تطمينا، لأن الحقيقة في الغالب لا يتكرر ترديدها ولا حاجة لذلك.

 

 

كتب المفكر السعودي الدكتور تركي الحمد على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي ( تويتر) قبل أيام هذه التدوينة التي تمثل حسب رأيي المتواضع رؤية للمتغير الذي نعيشه ونأمل أن يطال كثير من المفاهيم:  خلال السنوات الخمس الأخيرة، هنالك وطنية سعودية جديدة تتشكل.ليست وطنية وجدانية قائمة على شعارات "فوق هام السحب"،أو "والله ما مثلك بهالدنيا بلد"،بل وطنية صلبة قائمة على الإيمان العميق بالكيان كمرجع للهوية،حين كانت الهوية مطموسة في زمن "الصحوة".بمثل هذه الهوية تعتنق السعودية المستقبل . (انتهى كلام الحمد).

 

 

المفهوم الثاني الذي يفترض أن تتم معالجته ذهنيا، دون أن يؤثر على مكانة الدولة في العالم الإسلامي، وهو محاولة البعض أن يسوق بخلفية أيدولوجية أو بحسن نية غير مواتية أن شرعية الدولة أي دولة يجب أن ترتكز على رعاية منهج أو مذهب ديني واحد، وهذه غير دقيقة. شرعية دولتنا تنطق من العقد الاجتماعي بين الأسرة الحاكمة والشعب، حيث يقبل الأفراد بشكل ضمني أو صريح أن يتخلوا عن بعض حرياتهم ويخضعوا لسلطة الحاكم مقابل حماية بقية حقوقهم. 

 

 

ثم أن دولتنا أيضا تملك شرعية المنجز الذي يلمسه كل المواطنين في كل نقطة فيها.  كتب الدكتور مأمون فندي عن شرعية المنجز: الدولة التي يمكن أن تتعرض لهزات اجتماعية اليوم هي الدولة التي تفشل في تنمية البشر وتقديم الخدمات، أزمة الشرعية لم تعد أزمة قبول آيديولوجيا النخب الحاكمة، بل أزمة قبول إنجازاتهم كعامل يحقق الرضا الاجتماعي. (انتهى كلام فندي.)

 

 

ثم المفهوم الثالث الذي يعكس عدم تطور العقل باتجاه مظلة الدولة لدى البعض ومؤسساتها وأنظمتها وتراتبها كدولة مدنية حديثة، حيث بقي قابعا في جغرافية القبيلة أو العشيرة رغم حسن النية في فكرته ( لزوم اعلم الشيخ). ذلك يتمثل في حين تجد بعض طرح العامة لا يعترف بالمؤسسات وينطلق من جغرافية القبيلة وعدد أفرادها، متجاهلا مساحة الدولة وعدد سكانها، فلا يتردد عن مواجهة أي ظرف أو تحد شخصي أو على مستوى مدينته أن يوجه النداء لأعلى سلطة في الدولة، وكأنها سلطة تنفيذية تباشر صغائر المسائل، وهو بذلك ينطلق من نية طيبة لكن الدولة في ذهنيته تصغر لمستوى ( عشيرة). وهذا على المدى البعيد لا يقوي مفهوم الدولة الوطنية بل قد يجعل بدائلها متصالحة مع هذا العقل. 

 

 

كتب الدكتور صالح زياد في ذلك: تبدأ الدولة حين تنتهي سلطة القبيلة، وتبدأ القبيلة حين تنتهي سلطة الدولة. الوجود المزدوج للسلطتين: القبيلة والدولة، هو وجود للتنافي المتبادل بينهما، وهو تنافي ٌ لا بد من ترجُّحه في كفة الدولة التي تتحقق بها الوحدة الوطنية والانتظام الاجتماعي المعبِّر عما فوق القبيلة، وإلا حدث النكوص إلى ما قبل مرحلة الدولة الوطنية وما قبل المدينة في التاريخ الإنساني، أعني إلى مرحلة القبيلة المقترنة سطوتها بالبداوة والترحال والغزو. ( انتهى كلام زياد).

 

 

 

- المفهوم الرابع الخطأ.. تجده ليس لدى العامة الذين يريدون إبداء حسن النية بل أحيانا يصل للطرح الإعلامي، وذلك حين أي نقاش يتعلق باتباع المذهب الشيعي ( فيقول إخواننا الشيعة)، لا شك إن ذلك في باطنه نية حسنة، لكنه لا يعكس وعيا مدنيا أو حقوقيا بصورة أوسع.

 

 

أولا الدولة الوطنية تقوم على الحقوق والواجبات وليست ( أخوة) من أي نوع مذهبية أو أيديولوجية مثل ( الرفيق) في الفكر اليساري. ثانيا نافلة القول لا حاجة لقولها، فلو مثلا قلصنا المشهد لتكون المنزل بمثابة الدولة، هل تسمع الأخ دائما ينادي أخاه ( بأخي) أو هل يضطر لذلك أصلا لتأكيد أخوته أو إبداء حسن النية تجاهه. نحن شركاء في الوطن يجمعنا الولاء ونلتزم بنقس الدرجة من الواجبات.

 

 

نختم في ذلك بقول فيصل لولي العهد محمد بن سلمان في حوار صحافي مع جيفري غولدبيرغ، في مجلة " ذا أتلانتيك” الأمريكية، " ستجدون شيعياً في مجلس الوزراء، وستجدون شيعةً في الحكومة، كما أن أهم جامعة في السعودية يرأسها شيعي. لذلك نحن نعتقد أن لدينا مزيجًا من المدارس والطوائف الإسلامية.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه