2020-04-27 

مستقبل المشهد اليمني

سلطان السعد القحطاني

واجه تحالف دعم الشرعية معضلة جديدة، وهو ينظر إلى انقلاب آخر، قام به عناصر المجلس الانتقالي المتواجدة في أحد مناطق الجنوب اليمني. هذه الميليشيا قررت القيام بانقلاب مكتمل الأركان، لتفرض الأمر الواقع على الأرض، في مواجهة علنية مع حكومة الشرعية اليمينة عديمة الكفاءة. 

 

المؤكد أن هذا التحرك السافر سيكون خبراً سعيداً للميليشيات الحوثية المدعومة من طهران؛ لأنه سيشتت جهود الحكومة اليمنية الشرعية، والتحالف العربي، ويعمّق من هذه المأساة التي تعصف باليمن منذ سنوات، في ظل غياب التوافق الداخلي على شرعية الحكومة اليمنية، المعترف بها دولياً. 

 

يمثل اتفاق الرياض فرصة مهمة لحل الأزمة اليمنية، إذا ما اقتنع أطراف الخلاف على الأرض، أنه لابد من العمل السياسي لتحقيق مكاسب عقلانية للطرفين. 

 

وإذا نظرنا الآن إلى أسباب جمود التقدم تجاه الحل السياسي، الذي ينهي المعاناة اليمينة، فإن أحد أهم أسباب الخلاف هو تمرد ميليشيا الحوثيين وميليشيا الانتقالي، وإذا لم يتم استخدام لغة العقل، فإن اليمن كله سيتحدث بلغة الميليشيات. 

 

لقد استجابت ميليشيا الانتقالي للاستفزاز الحوثي ونفذت كل ما كان يريده بالضبط، من تشتيت جهود التحالف، عبر فتح جبهات جديدة جنوب اليمن. كانت عملية اغتيال أبو اليمامة، خطة إيرانية تشبه عملية تفجير المرقدين، التي وصلت بالعراق إلى ماهو عليه الآن من صراع طائفي قاتل. 

 

في الوقت الذي لابد فيه من مراعاة حساسية الحكومة الشرعية من ميليشيات الانتقالي، ونزعتها الإنفصالية، فإنه لابد في الوقت ذاته مراعاة مصالح حليف قاتل على الأرض، وضحى بجنوده من أجل اليمن. كان الأجدى هو تفعيل الحوار الدبلوماسي بين الامارات، والشرعية في الغرف المغلقة، لتجاوز الأزمة، وللحديث الصريح حول تحفظات جميع الأطراف. 

 

كان استقبال السعودية لوفد من ميليشيا الانقلاب الجنوبي، هو رغبة صريحة من حليف كبير، في دعم الحل السلمي للخلاف اليمني، وطلقة تحذيرية لقيادات الشرعية بأنه لابد من السعي الجاد لتطهير اليمن من الميليشيات الحوثية المدعومة من طهران، وزيادة كفاءة الحكومة وتواجدها على الأرض. 

 

علينا أن نعرف أن هذه الميليشيا الجنوبية لا تمثل الجنوب اليمني ككل، وما اسمها سوى تحايل لفظي بغية الحصول على غطاء شرعي، بيد أن الذين يعرفون اليمن الجنوبي، يعرفون بأنه يستحيل أن ينضم كلواء واحد تحت قيادة ميليشيا الانتقالي. 

 

وهذا يعني مزيدا من الاقتتال في مناطق واسعة من اليمن، والقضاء على جهود التحالف في المناظق المحررة. 

 

لقد كان الجنوب وإماراته المختلفة مسرح صراع دامي منذ القرن السابع عشر ، وهناك قوى جنوبية مؤثرة لا تعترف بميليشيا الانتقالي، ولن تعترف بها مطلقاً. 

 

المفاوضات الدبلوماسية هي ترجمة فعلية للموقف على الأرض. ولذلك فإن ميليشيا الاحتلال الجنوبية لن تستطيع الاستمرار في مواجهة التحالف للأبد، وخسارتها للرياض لن تعوض أبداً، فالجنوبيون يعون دور السعودية، والسعودية تعي دورهم. 

 

لا يمكن أن تجد اليمن حليفاً بديلا عن السعودية، وذلك بلغة الجغرافيا أولا، ثم بلغة التاريخ ثانيا. 

 

وفي السعودية وحدها جالية يمنية تجاوز المليون عددا، وهو رقم لا تستطيع أي دولة مجاورة احتضانه، ولا توفير فرص العمل لهذا العدد الكبير، الذي يغذي اليمن بالمليارات السعودية سنويا، ومنذ أكثر من ربع قرن. 

 

هل تملك السعودية والتحالف سلطة على الرئيس هادي؟ 

 

وفق القانون الدولي لا، فهو رئيس شرعي، والصدام معه قد يدمر الملف اليمني كاملا، ويلقي به في غياهب الظلام لعقود مقبلة، ويستمر التيه اليمني إلى الأبد. 

 

تحفظات الإمارات حول جدية الشرعية في تحقيق أهداف التحالف، وكفاءة بعض القيادات فيها، مشروعة، فهي شريك كبير في محاولة إعادة الشرعية اليمنية، واعتقد أن السعودية تشاطرها التحفظ ذاته، لكن الحلول غير السياسية لمشكلة سياسية أمر مكلف جدا. 

 

بقاء الحلفاء صفا واحداً أمر مهم للقضايا الاستراتيجية التي يعملون عليها منذ سنوات، فلا يمكن هزيمة الإخوان، وتحجيم قطر، ومواجهة إيران، وتعزيز السلم لدول البحر البحر، وضمان الملاحة في الخليج العربي، دون التحالف مع السعودية، كقوة اقتصادية وسياسية ودينية مؤثرة. 

 

لذلك أقول لا بالخط الاحمر العريض لفكرة الانفصال، ولا لبقاء جهاز الشرعية دون تطوير. 

 

طول فترة الحرب، فتح المجال لمساءلة الشرعية حول مدى جديتها في القضاء على التمرد الحوثي. ولقد كان دور الشرعية لا يتواءم مع حجم التضحيات التي قدمها التحالف الإماراتي السعودي. 

 

الحل هو حكومة وحدة وطنية تستوعب أحلام اليمنيين، وتتفهم مخاوف كافة الأطراف، وتضمن تمثيلا شاملا للجميع، وتكافح الفساد، ولابد من بدء عمل الدولة في المناطق المحررة. 

 

اليمن بالنسبة للسعودية أمر  شديد الأهمية، يتعلق بالحياة والموت، أي إنه في صميم استراتيجية الأمن الوطني السعودية. وصواريخ الحوثي، خير شاهد، فهي لم تصب أي دولة أخرى من أعضاء التحالف. 

 

 

لا يمكن حدوث انفصال يمني مهما حاولت الوسائط الإعلامية الترويج له على أنه فكرة يمنية قوية، فلا اليمنيون أنفسهم متفقون عليه، ولا توجد رغبة سعودية، ولا عمانية، لوجود دولة جديدة على حدودهما، ولا قبولا لدى المجتمع الدولي لهذه الفكرة غير الشرعية. وبدون موافقة سعودية، فإن هذه الكيان الجديد، إن ولد، سيكون محاصراً، ولن يكون البحر سوى بوابة وحاجز في آن. 

 

هذه الميليشات التي تؤيد فصل بعض من أقاليم الجنوب عن العالم أجمع، سيجدون أنفسهم وحيدين أمام من باعهم هذا الحلم المضلل. 

 

الحديث عن الأطماع الاماراتية في اليمن فضفاض، وهو من نوع الأخبار التي يمكن إثباتها، ولا يمكن اثباتها، فهي مفتوحة للشائعات، والتوقعات. لكن ما يمكن اثباته، انها فقدت جنودا على الأرض، وهذه حقيقة يمكن إثباتها، ولا يمكن عدم إثباتها. 

 

لقد عززت حرب اليمن من وجود حليف كبير للإمارات في المنطقة وهو السعودية، وبه تم كسر شوكة الإخوان، وتحجيم قطر، وردع إيران. 

 

الباحث في شؤون المنطقة يعرف بأنه لا يمكن استراتيجيا القبول بفكرة الإنقلابات، والانفصالات في شبه الجريرة العربية، فهو أمر شديد الخطورة من ناحية استراتيجية، على جميع دول هذا الإقليم الصحراوي، المحاط بالبحار التي تعتبر شرايين العالم الحر، ويكفينا رؤية نتائج التساهل مع الانقلاب القطري الذي أضر بالشرق الأوسط ككل لأكثر من عقدين. 

 

اتفاق الرياض كان هدية كبرى للمجلس الانتقالي فهو الوحيد الذي منحه صفة رسمية، وان كان هناك لبيب يفهم بالإشارة.

 

لقد ارتطم كثيرون بالسعودية، وكانت سورا صلبا، وعاليا، فلا حاجة لتكرار التاريخ. 

 

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه