صرح وزير الخارجية المصري سامح شكري ، مؤخرا ، :" بالنظر للعنت الإثيوبي الذي أفضي إلي تأزم المشاورات الفنية الجارية مع السودان و مصر بشأن إبرام الاتفاق النهائي لتشغيل سد النهضة الإثيوبي فقد تلجأ مصر لمجلس الأمن ، للتدخل في هذا النزاع المهدد للسلم و الامن الدوليين ".
لا جرم أن الإحاطات المصرية و الإثيوبية و السودانية لمجلس الأمن في شهري مايو ويونيو عام 2020 ، توسم بالتنبيهات بلغة ميثاق الأمم المتحدة التي تندرج تحت الفصل السادس من ميثاق منظمة الأمم المتحدة الموسوم " حل النزاعات حلا سلميا ".
إن المقررات المختلفة ومهما اختلفت تسمياتها، والتي تصدر عن مجلس الامن في شأن التسوية السلمية لتسوية النزاعات الدولية ، تتمتع بالطبيعة الإلزامية الأدبية، مقارنة بتلك التي تصدر عن المجلس تأسيسا علي الفصل السابع من ميثاق المنظمة .
بداءة يدعو مجلس الأمن أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من نزاع بالطرق الدبلوماسية السلمية، إذا رأى المجلس ضرورة ذلك.
هنا بالرغم من الطبيعة القانونية التي تكتسي النزاع الحاصل بين الفرقاء الثلاثة مصر، والسودان، وإثيوبيا ، فليس ما يمنع من طرق أبواب مجلس الأمن غير المؤصدة وعلي مدار الساعة لأجل تدخل المجلس لتسوية النزاع، والزعم الإثيوبي بأن مصر دوًلت النزاع خروجا عن اتفاقية اعلان المبادئ هو زعم فاسد .
إن مناط إعمال مجلس الأمن صلاحيته وفق الفقرة الأولي من المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، مقيد بشرط جوهري، وهو أن النزاع يفترض استمراره ان يعرض السلم والامن الدوليين للخطر، وهنا فالهيئة الحصرية التي تقيس و تزن الأمرهي مجلس الامن إعمالا لنص المادة 39من ميثاق المنظمة.
أطلقت الفقرة الثانية من المادة 33 من الميثاق العنان لمجلس الأمن إلي أن يدعو الأطراف لالتماس حل هذا النزاع بأي وسيلة من تلك الوسائل ، و لو لم ينعقد اتفاق الأطراف النزاع علي عرضه عليه ، أو علي الأقل إخطاره به ،وهو ما لاح جليا في النزاع المصري - الإثيوبي ، فالبرغم من سبق عرض النزاع بشكل انفرادي من جانب مصر علي الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة ، و بالرغم من إدراك مجلس الأمن لتطورات النزاع لكن لم يلجأ المجلس لتطبيق نص الفقرة الثانية المشار إليها.
لا مرية أن مجلس الأمني يملك سلطة في توجيه الأطراف للتوسل بوسيلة سلمية معينة لتسوية ذلك النزاع ،وتطبيقا علي النزاع المصري الإثيوبي يستطيع المجلس أن يباشر صلاحيته في توصية الأطراف ،باللجوء لوسيلة معينة لتسوية النزاع وله أيضا ن يمتنع عن القيام بذلك الدور .
يحوز المجلس سلطة عامة في إجراء التحقيق من تلقاء نفسه أو بتشكيل لجنة تخضع لتوجيهاته في أي نزاع أو موقف يري المجلس أنه بحاجة إلي ذلك ، وهنا فالمجلس حر في اختيار الصيغة المناسبة للموقف الذي يتصدي له ، فقد يري المجلس ان الفحص يتمحور و يقتصر فقط علي مجرد الإستعلام من أطراف النزاع ،و حتي دون رضي الأطراف المعنية .
نشير أيضا إلي أن الدور الاهم الذي يضطلع به المجلس إعمالا لنص المادة 34 هو التأكد من ما إذا كان الخطر قد تحول فعلا إلي تهديد حقيق للسلم أو أخل به أو أدي إلي عمل من أعمال العدوان ، ويتطلب ذلك اتخاذ المجلس لإجراءات
و تدابير ردعية تطبيقا للفصل السابع من الميثاق
لا مشاحة أن لفت نظر المجلس لا يختلف عن عرض الأمرعلي المجلس ، فالباعث الرئيس من تنبيه المجلس تهيئه المجلس كي ينظر في النزاع أو الموقف و يصدر فيه توصياته .
تخول المادة36 من الميثاق مجلس الامن في أي مرحلة من مراحل النزاع الموصوف في المادة 33 أو شبيه به ، أن يتدخل و يوصي بما يراه مناسبا من الإجراءات وطرق التسوية بصريح عبارة الفقرة الأولي من المادة 36 ، و المجلس ليس ملزما بالإنتظار لفشل الأطراف في اتوصل لحل النزاع حتي يشرع في العمل بنص المادة 36 .
جلي أن مجلس الأمن وهو يقدم توصياته وفقا للمادة 36 من ميثاق الأمم المتحدة يراعي أيضاً أن المنازعات القانونية يجب على أطراف النزاع - بصفة عامة - أن يعرضوها على محكمة العدل الدولية وفقاً لأحكام النظام الأساسي لهذه المحكمة.
إن الصياغة الواضحة لنص الفقرة الأخيرة من المادة 36 ، التي لا يعوزها أي تفسير من المجتهدين ، لا تلزم المجلس باحالة النزاع القانوني للمحكمة ، وكان الكثر من الشراح مهدوا لها المسار المتاح لمصر أنه " يوم الزينة " ، و بالرغم أن عبارة " وفقا لأحكام النظام الأساسي للمحكمة " تمثل نذير شؤم للمصريين كونهم يدركون أن إثيوبيا "لو" كانت تقر بصلاحية المحكمة في الفصل في أي نزاع محتمل متعلق بتفسير أو تنفيذ اتفاقي اعلان المبادئ لسد النهضة لكانت ضمًنت أي من محكمة العدل الدولية أو كليهما في المادة العاشرة من هذه الاتفاقية و المعنية بتسوية النزعات .
إن الدور الذي أنيط لمجلس الامن في شأن تسوية النزاعات بموجب الفصل السادس هو دور لا يرقي لوصفه بالدور الإيجابي في تسوية تلك النزاعات ، فجعل الفصل السادس الأصل في حل النزاعات للدول ذات السيادة أي أطراف النزاع أنفسهم .
لمجلس الأمن –وفق المادة 38 من الميثاق - إذا طلب إليه جميع المتنازعين ذلك - أن يقدم إليهم توصياته بقصد حل النزاع حلاً سلمياً
وهنا يلعب مجلس الامن وفق نص المادة 38 دورا شبه تحكيمي عن طريق المساعي المخول له القيام بها كالوساطة و التوفيق بين المتنازعين ،وذلك في الأحوال التي لا يشكل فيها النزاع خطرا علي السلم، مستندا في ذلك علي وجود اتفاق خاص بين طرفي النزاع بشأن عرض النزاع عليه ،و القبول بالخضوع بما يراه ملائما من توصيات لحل النزاع ، وهنا نؤكد علي أن كافة التوصيات التي يصدرها مجلس الامن تأسيسا علي الفصل السادس لا تحوز الإلزامية الإنفاذية مقارنة بالقرارات التي يتخذها مجلس الأمن تأسيسا علي الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة .
صفوة القول، إن الخطوة المصرية باللجوء لمجلس الأمن للتدخل في شأن النزاع المصري –الإثيوبي ، وطلب إصدار قرارات ملزمة لإثيوبيا بوقف ملء السد الإثيوبي مرتهن بتكييف المجلس للنزاع أنه يهدد السلم الأمن الدولين ، وحينئذ يصدر المجلس أي قرار تأسيسا علي الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، وليس الفصل السادس من ميثاق المنظمة .