(رويترز) - أصابت الضربة الجوية هدفها في شمال العراق وتشتت الرجال. غطس أربعة منهم في النهر وعبروا بسلام للضفة الأخرى لكن الخامس وقف بلا حراك على حافة المجرى المائي. فهو لا يعرف العوم. ليومين ظل عضو تنظيم الدولة الإسلامية البالغ من العمر 30 عاما مختبئا بين النبتات المنتشرة على ضفتي نهر دجلة قبل أن يخاطر بالخروج بحثا عن قارب يقله بعيدا.. لكن القوات الكردية كانت قد وضعت يدها على هذه المنطقة واحتجزته. قال مهند لرويترز في مقابلة بالسجن شديد الحراسة المحتجز به منذ يناير كانون الثاني في أربيل عاصمة كردستان العراق "كنت أرجو الشهادة." جرت المقابلة في مكتب بالسجن بعد الترتيب مع السلطات الكردية بناء على طلب من رويترز. وحضر مسؤول بالسجن معظمها لكنه كان يترك المكتب بين الحين والحين. أما مهند فبدا بصحة جيدة وعلت وجهه علامات الارتياح وهو يتحدث عن ذكرياته مع التنظيم. لم يكن يرتدي ملابس السجن وإنما تي. شيرت أبيض مقلما بالأزرق ولم تكن لحيته طويلة كما هو حال معظم المقاتلين الإسلاميين وإنما نبتت ذقنه بشعيرات صغيرة. كانت يداه موثقتين وقدم له الماء والشاي في كوبين من الورق المقوى لكن يده لم تمتد لأي منهما. صورة مهند بعيدة كل البعد عن الصور التي تنشرها الجماعة المتشددة في تسجيلات مصورة لمقاتليها وهم يذبحون رهائن ويطلقون الرصاص على محتجزين بالجملة. وتلقي تجربته بصيص ضوء على دور العناصر الدنيا في سلم التنظيم. الأمر بالنسبة لمهند كان في جانب منه استكمال لدور أخويه الأكبر اللذين انضما بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 لتنظيم القاعدة الذي كان على الساحة في البلاد قبل ظهور الدولة الإسلامية. قتل الاثنان أثناء قتال القوات الأمريكية في الموصل أكبر مدن شمال العراق. يرى مهند أن السنة يلقون معاملة سيئة في ظل النظام الذي سيطر على العراق بعد الغزو الأمريكي ويهيمن عليه الشيعة. وفي يونيو حزيران الماضي وفي اليوم الذي اجتاح فيه مقاتلو الدولة الإسلامية الموصل قادمين من سوريا كان مهند جالسا بالبيت يشاهد مبتهجا على شاشات التلفزيون اقتحام المتشددين السنة للمدينة قبل أن يتوجهوا صوب بغداد. وبدأ شبان من المنطقة في الانضمام للجماعة وقرر مهند فعل نفس الشيء. قال "فكرت: اثنان من إخوتي انضما لهذا التنظيم وأنا الوحيد الباقي." كان والده قد توفي في حادث سيارة قبل أعوام لكنه طلب مباركة أمه قبل الرحيل. "قالت: إذهب." يضحك وهو يتذكر كلماتها "فقدت ابنين.. إذهب معهما." وفي مقر محلي للدولة الإسلامية في حي الشورى قرب الموصل بايع مهند التنظيم بين يدي رجل يدعى أبو صالح. تسلم المتطوع الجديد بندقية كلاشنيكوف وتعلم كيف يستخدمها وقلد خلال المقابلة كيف يحشو البندقية بقدر ما سمح له القيد الموثق به اليدان. وخلال الأشهر الخمسة التالية كان مهند يحرس مكتبا تابعا للدولة الإسلامية في قرية إلى الجنوب الغربي من الموصل. كان الجو يخلو من الأحداث. أما الثلاثمئة ألف دينار عراقي (260 دولارا) التي كان يتقاضاها شهريا من التنظيم فكانت أكثر مما كان يتحصل عليه من اشتغاله بأعمال يدوية دنيا منذ ترك المدرسة وهو مازال طالبا بالسنة الأولى من المرحلة الثانوية بعد رسوبه المتكرر. * "طريق الصالحين" بينما كانت الجماعة المتشددة تفقد أراضي في شمال العراق قرب نهاية 2014 كان مهند مكلفا بقيادة وحدة صغيرة تضم أربعة رجال غيره في نقطة على الحدود جنوب شرقي الموصل حيث كانت الدولة الإسلامية تواجه قوات الأمن الكردية. كان الخمسة جميعهم عراقيين وكانوا يتناوبون مراقبة العدو بمجهر كل ساعتين خلال ساعات النهار بينما كانت مجموعة أخرى أكبر تتولى المهمة ليلا. كان المقاتلون الذين انتهوا من ساعات الخدمة يجلسون في خيمة صغيرة يحتسون الشاي. وكانوا يشترون الخبز والمربى والبيض من أحد الباعة في قرية على الضفة الأخرى من النهر مستخدمين مركبا شراعيا صغيرا. الأوامر كانت تأتي من "أبو سعد" وهو قيادي محلي كانوا يتواصلون معه باللاسلكي. كانت المجموعة تتشارك في سلاح آلي واحد رغم أن مهند قال إنهم لم يشتركوا في قتال. وكل خمسة أيام كان مهند يعود لزوجته وأطفاله الثلاثة الذين تبلغ أعمارهم السادسة والخامسة والثالثة. قال إنهم الآن لا يعرفون عنه شيئا ولابد أنهم يظنونه في عداد الأموات. يشتاق مهند لأسرته لكنه ليس آسفا إلا على الإمساك به وحرمانه من نيل الشهادة التي تضعه في جنة الخلد مع الحور العين. وحين سئل لماذا لم يتطوع في مهمة انتحارية ما دام راغبا في الشهادة قال إن المهمة مروعة كما أنه لم يتعلم قيادة السيارات. وتبدو ملامح التوقير على وجه مهند لدى ذكر اسم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم رغم أنه لم يره إلا على شاشات التلفزيون. قال "هو على طريق الصالحين بإذن الله. "أهم شيء هو نشر الإسلام... ستواصل (الدولة الإسلامية) القتال حتى تكون لها الكلمة العليا."