السيد الرئيس نشكرك على شعورك الطيب تجاه منطقتنا، ولكنْ في ثقافتنا هناك مثل يقول إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الطيبة، كما أن هناك فرقا شاسعا بين «النشاط» و«الإنجاز»، وما تشهده المنطقة منذ سنوات لحقت وصولك إلى الحكم هو نشاط بعيد عن الإنجاز. فالمنطقة جهنم مشتعلة نارها حتى اليوم. بعد ستة أشهر سوف تبدأ عجلة الانتخابات عندكم في التدحرج، ففي يناير (كانون الثاني) المقبل، ومن خلال بدء الانتخابات الأولية في هامبشاير، يبدأ العد التنازلي لعهدكم، وهذا يعني أنكم خلال سنة ونصف السنة من الآن ستكونون في التقاعد، الذي نتمنى أن يكون تقاعدا مريحا لكم. ما تتركونه للتاريخ من أفعال، وليس من أقوال، هو الذي سيبقى عنوان الحقيقة لمدة حكمكم التي امتدت لفترتين. في بداية حكمكم اعترفتم في خطاب القاهرة 2009 بأن هناك «توترا يشوب العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي»، وتتركون المنصب والتوتر أكثر حدة وفي أعلى مستوى، فقد أورثت سياستكم شعوبا تنزف تحت وطأة آلام بشرية غير مسبوقة إلا في عصر الظلمات. لم يحصل رئيس للولايات المتحدة على بطاقة تصرف مجانية كما حصلتم عليها، فأنتم أول رجل أسود يصل إلى أعلى سلطة في هذا البلد، وفقط قبل خمسين عاما كان إخوانكم السود ممنوعين حتى من ركوب الحافلات نفسها، كما أنكم خلال أسابيع من الحكم نلتم أعلى وسام للسلام، وهو جائزة نوبل، كما قررتم لسبب ثقافي أو سياسي أن تتبعوا ما سمي لاحقا «عقيدة أوباما» التي يصح تفسيرها بأنها «استرضاء الخصوم» ودفع أقل الأثمان السياسية في الداخل والخارج من أجل تفادي المشكلات، كما أردتم أن تمسكوا كرتين في يد واحدة: تستمرون كأقوى وأكبر دولة في العالم، وتمتنعون في الوقت نفسه عن دفع الثمن المقبول لهكذا مكانة، ليس لسبب سوى الرسائل المتناقضة التي صدرت من إدارتكم. وتتركون الحكم والعالم أصبح أكثر خطورة من اليوم الذي جئتم فيه للرئاسة. لقد كنتم ترغبون في تغيير صورة نمطية للولايات المتحدة أفضل مما تركه سابقكم، إلا أنه كان لكم هدف دون خطة، فانتهينا الآن بأعمق صورة قاتمة للولايات المتحدة.. لم تُرض الخصوم وخاصمت الأصدقاء. لقد شاب سياسة الاسترضاء الداخلية والخارجية أو عقيدة أوباما الكثير من السلبيات.. منها: 1) أردتم الانسحاب من العراق وأفغانستان، وكان هناك خطأ في التوقيت وضعف تنفيذ، فقط من أجل تأكيد تلك العقيدة، وهي إشاعة السلام وعودة المحاربين إلى بلادهم. لقد كانت نتيجة ذلك أولا أن العراق سُلم إلى إيران على طبق من الاسترضاء، وثانيا قتل أو تشرد ملايين من العراقيين. والأكثر من ذلك أنك عدت مرتين بقواتك التي سحبتها، مما يعني الارتباك، وسوف تترك كرسي الرئاسة وبلادك في مكان لا تحسد عليه في العراق. لقد كان قرارا ارتجاليا حاز أعلى مواصفات الارتجال والتسرع. 2) بنيت جزءا من عقيدتك على أهمية الشعور بالأمان في الداخل الأميركي، وأن الإرهاب يأتي فقط من الخارج ومن الدول التي وصفتها بكونها «غير ديمقراطية». دعنا نذكرك أيها الرئيس بأن مذبحة أوكلاهوما قبل سنوات قام بها رجل أبيض أميركي (تيموثي ماكفي) له حق التصويت في كل مراحل العمل الديمقراطي الداخلي، كما كان عضوا سابقا في جيشكم العظيم، كما أن الطيار الألماني الذي قتل أكثر من مائة مسافر قبل أسابيع تتمتع بلاده بديمقراطية لا تشوبها شائبة، وهناك أمثلة كثيرة في السابق واللاحق على أن الإرهاب وباء عالمي، يضرب الكثير من مناطق العالم، ويتلون بأشكال مختلفة، فهو ليس صفة لثقافة وليس لصيقا بجغرافيا، وكما تعاني من ارتدادات الإرهاب، فنحن أيضا نعاني منه ولا يزال يضربنا بشدة. زيادة وتيرة الإرهاب جزء من سياسة الاسترضاء. 3) في سبيل تطبيق عقيدة أوباما في الاسترضاء قمت باسترضاء إيران، وهي دولة تتدخل بقوة في المنطقة العربية، ففي لبنان تعطل المجموعات المؤتمرة بأمرها الدولة، ونذكرك بأنها الجماعة نفسها التي فجرت سفارتكم في غرب بيروت واختطفت بعض مواطني حلفائكم، كما أن إيران تساعد الآن وعلى رؤوس الأشهاد على محو مدن بكاملها من على الأرض في سوريا.. تُشرد الملايين وتُمكّن ديكتاتورًا محمومًا بالسلطة من ضرب شعبه بالطائرات، وقد قتل من الشعب السوري العربي حتى الآن أكثر من ربع مليون نسمة، بين طفل وامرأة وشيخ، وتشرد منهم ملايين، ويمكن أن يفرز ذلك في المستقبل من النتائج السلبية على المنطقة بأكملها ما لا يمكن توقعه في أكثر الخيالات خصبًا. وكانت سياسة الاسترضاء والتردد من قبلكم هي التي شجعت الطاغية في دمشق ومناصريه على الاستمرار حتى استخدام الغازات السامة، التي قلت عنها إنها «خط أحمر». لقد تغير مستوى خطوطك الحمراء أكثر من مرة، فلم نعد نعرف أين مكانها، وهذه إيران تعيث في اليمن، في الوقت الذي دفعت وتدفع فيه الدول العربية المجتمعة معك الآن الأموال لليمن دون منة، لأنهم إخوة لنا وأشقاء، لبناء المدارس والجامعات والمستشفيات والطرق. تدفع إيران لمحازبيها هناك السلاح ليقتل به اليمني أخاه اليمني! استرضاء إيران الذي كان إصرار إدارتكم عليه لافتا للنظر، من أجل أن يكتب التاريخ في سجلكم أنكم قمتم بنزع فتيل السلاح النووي، لن يوقفها عند حد. لقد كان نيفيل تشامبرلين، رئيس الوزراء البريطاني عشية الحرب الثانية، فخورًا مثلكم بتوقيع معاهدة ميونيخ استرضاء لأدولف هتلر، وقتها قال إنها «من أجل حقن الدماء»! كان ضمن نتيجتها النهائية عشرون مليونًا من القتلى وشلال من الدماء، وذهب التاريخ باسم تشامبرلين المتردد. وإذا كنتم ترون أن الجمهورية الإسلامية بلاد ديمقراطية تشارككم القيم العليا، فاقرأ أي تقرير عن «الحريات» وتدني مستوى النزاهة، وسوف تعلم أن أكبر مذبحة للحريات تجري هناك. لا أحد من أهلنا ضد إيران وشعوبها، لأنها اختارت هذا الطريق أو ذاك، لكننا ضد تدخلها في شؤوننا، تحت شعار تصدير الثورة، والثورة لا تصدّر كما تعلم، خاصة إن كانت قد فشلت في أرضها، وإن كانت لديك رغبة في أن تحضر إيران مفاوضات يمكن أن تتم بين أطراف عربية، فإننا نقبل بشرط أن يأتي إلى المفاوضات نفسها ممثلون لعرب شيعة يعيشون في إيران بالملايين مهضومي الحقوق الإنسانية كي يتعرف العالم على مظلمتهم. 4) لقد ساعدت سياستكم الاسترضائية في منطقتنا على توحش أكبر للاعبين المسلحين خارج الدولة، وتفاقم دورهم في هدم الدولة الوطنية، فهناك عدد منهم قد فُرخ بالفعل، وعدد آخر تحت التفريخ، وليس المقام هنا سيادة الرئيس مقام سرد لعدد تلك الجماعات، فمنها «داعش»، ومنها «سرايا خراسان»، ومنها «الحوثيون»، ومنها «عصائب الحق»، وحزب الله، والحبل على الجرار.. وفي الوقت الذين ندين فيه كل أشكال الإرهاب، فإن أساسه هو تفكك الدولة في المنطقة الذي كان جزئيا بسبب تراخي الموقف في إدارتكم. 5) لقد رددتم كثيرا أهمية «صناديق الانتخاب»، ولما حصل رئيس مصري على أعلى نسبة أصوات في انتخابات تنافسية حرة، أظهرتم الذرائع المختلفة للضغط على ذلك البلد الذي يعتبره العرب إقليمًا قاعديًا للمنطقة العربية بكاملها، وكنت في خطابك عام 2009 فخورًا بأن استضافتك كانت في الأزهر وجامعة القاهرة. حدث التردد نفسه في اليمن، فبعد انتخابات حرة هناك، سمحتم لبعض الأطراف بالعبث بمقدرات تلك البلد، بل سحبت سفيركم من صنعاء قبل الأحداث بثمانية أشهر، إشارة إلى عدم اهتمامكم بما يجري! 6) وأخيرًا، لقد جئتم بآمال عظام لأهل فلسطين في أول حكمكم، تجلت بكلمات معسولة في خطاب القاهرة، ولكن شهدت فترة رئاستكم ثلاث حروب هوجاء على أهلنا في فلسطين، للسبب نفسه.. كانت لكم رغبة ولم تكن لديكم خطة! ونحن نعرف أن التاريخ لا يُعيد نفسه، لكنه يقدم لنا بعض الإشارات، فقط نذكرك بقول رئيس أميركي ديمقراطي سابق هو فرانكلين روزفلت، عشية الحرب العالمية الثانية، الذي قال: «إذا كان عليّ أن أختار بين الصواب، وبين السلام، فإنني أختار الصواب».. ونحن نتمنى خلال الأشهر المتبقية لإدارتكم أن تختار الصواب سيادة الرئيس. آخر الكلام: ما سبق هو تفكير بصوت عال من مواطن، في ما يجب أن يعرفه الرئيس باراك أوباما في حال انعقاد قمة كامب ديفيد التي دُعي إليها زعماء الخليج، بعد أقل من أسبوعين من الآن.