تناولتُ في مقال سابق نُشر مؤخرًا بـ«الشرق الأوسط» (13-4-2015) بعنوان «التشارك في بناء الحزام والطريق»؛ «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير» و«طريق الحرير البحري في القرن الـ21»، والأجواء المعينة للتعاون الصيني - السعودي، والصيني - العربي. وكان السؤالُ المطروحُ دائمًا من أصدقائي العرب، خلال السنة الماضية، هو: ما الفوائد التي سيعود بها «الحزام والطريق» على السعودية خاصة، والدول العربية بشكل عام؟ والجواب: كما كان طريق الحرير قبل أكثر من 2000 سنة طريقًا للتبادل التجاري والإنساني الذي ربط بين الحضارات الآسيوية والأوروبية والأفريقية الكبرى؛ فإن «الحزام والطريق» اليوم سينقل روح طريق الحرير وجوهره المتمثل في «السلام والتعاون، الانفتاح والتسامح، التعلم المتبادل والاستفادة المتبادلة، والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك»؛ بهدف ممارسة التعاون الإقليمي، وتعزيز التداول المنتظم والحر للعوامل الاقتصادية، وتسريع الترابط والتواصل بين قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا والبحار المحيطة بها، فضلاً عن إطلاق العنان للقوة الكامنة للأسواق داخل الإقليم، ورفع مكانة آسيا في سلسلة التوريد والسلسلة الصناعية وسلسلة القيمة في العالم، وأخيرًا وليس آخرًا تعزيز التبادل الإنساني والاستفادة الحضارية المتبادلة بين شعوب الدول على امتداد طوله. وقبل فترة وجيزة أصدرت الحكومة الصينية مسودة بـ«التطلعات والأعمال حول دوافع البناء المشترك للحزام والطريق» لتوضيح التصورات الداعية لإقامته، وذلك عبر أكثر من سياق؛ فعلى سبيل المثال ومن حيث تناسق السياسات، أكدت المسودة أن الهدف من البناء المشترك لـ«الحزام والطريق» هو تعزيز التعاون بين الحكومات والإعداد المشترك للتخطيطات والإجراءات الهادفة لدفع التعاون الإقليمي، وهو ما يقدم السياسات الداعمة للتعاون العملي وتنفيذ المشروعات الكبيرة. أما على صعيد ترابط المنشآت، فأشارت المسودة إلى تشكيل شبكة بنية أساسية تربط شتى المناطق الآسيوية شبه الإقليمية وآسيا وأوروبا وأفريقيا بشكل تدريجي، ودفع بناء آلية موحدة لتنسيق النقل خلال العملية كلها؛ تحقيقًا لسهولة النقل الدولي، إضافة إلى دفع بناء كابلات الألياف الضوئية العابرة للحدود، وشبكات كابلات الاتصالات الرئيسية.. وغيرها. وبيَّنت الحكومة الصينية في مسودتها المتعلقة بـ«التطلعات والأعمال حول دوافع البناء المشترك للحزام والطريق» من حيث تواصل الأعمال، أن ذلك سيعمل على تعزيز التعاون في الجمرك والفحص والحجر الصحي، وتهيئة بيئة تجارية جيدة داخل الأقاليم والدول المختلفة، وتشكيل سلسلة صناعية تجمع جميع الحلقات للتعاون في الطاقات والموارد، والتعاون في بناء المناطق الصناعية بمختلف أنواعها لتعزيز التنمية الصناعية بشكل مشترك. أما من حيث تداول الأموال، فقد أشارت المسودة إلى دفع بناء منظومة الاستقرار النقدي ومنظومة الاستثمار والتمويل ومنظومة الائتمان في آسيا، إلى جانب توسيع النطاق والحجم للمبادلة الثنائية للعملات وتصفية الحسابات بين الدول بالعملة المحلية، ودفع إنشاء البنك الاستثماري الآسيوي للبنية الأساسية وبنك التنمية لدول بريكس، وأخيرًا الإسراع في إنشاء وتشغيل صندوق طريق الحرير. وعلى صعيد تفاهم العقليات، أوضحت الحكومة الصينية أن ذلك سيؤدي إلى توسيع حجم الإرسال المتبادل للطلاب المبتعثين، وممارسة التعاون في التربية والتعليم، والعمل المشترك على توفير الخطوط والمنتجات السياحية الممتازة الدولية ذات خصائص طريق الحرير، فضلاً عن دفع التعاون في توظيف الشباب وتنمية المهارات المهنية وخدمات إدارة الضمان الاجتماعي... وغيرها الكثير. إن تحقيق التطلعات المذكورة أعلاه سيعود بالفائدة الملموسة على كافة دول «الحزام والطريق»، فالمملكة العربية السعودية - على سبيل المثال - التي تقع في منطقة تلاقي قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، ومن خلال بناء «الحزام والطريق»، أي على أساس الإجراءات التجارية الأسهل والدعم المالي الأقوى وشبكة المواصلات الأكثر انسيابية؛ ستلعب دورًا محوريًا أكبر بين الشرق والغرب بصورة أفضل وأكمل في التجارة والاستثمار والتعاون الصناعي وتبادل الأفراد وتداول السلع؛ نظرا لأن «الحزام والطريق» سيعمّق اندماج مصالح الدول على طوله، ما يحقق تكامل المزايا بين الدول والمناطق المختلفة، وبهذا ستكون مزايا المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج العربية، المتمثلة في الطاقة والبتروكيماويات والاستثمار والتمويل، أكثر بروزًا، بل سيضاف إليها المزيد من القوة الدافعة لتنفيذ استراتيجية التنويع الاقتصادي. ويسرنا أنه خلال السنة الماضية تقدَّم البناء المشترك لـ«الحزام والطريق» بشكل متواصل، حيث وقَّعت الصين والدول الممتدة على طوله سلسلة من الاتفاقيات الإطارية، التي بموجبها بدأ إنشاء عدد من المشروعات المهمة، مثل: بناء جسور وسكة حديد وطرق عامة ومناطق صناعية وممرات معلوماتية عابرة للحدود، وفتح دفعة من الخطوط الجوية الدولية ومنافذ المطارات للترانزيت لمدة 72 ساعة دون تأشيرة. وتدور حاليًا مفاوضات الشراكة الشاملة الإقليمية ومفاوضات رفع المستوى لمنطقة التجارة الحرة بين الصين والآسيان، وبدأت أعمال إنشاء منصتي الاستثمار والتمويل للبنية الأساسية وصندوق طريق الحرير. وعلى صعيد التعاون بين الصين والسعودية وغيرها من الدول العربية، فقد شهد هذا التعاون مؤخرًا تقدمًا إيجابيًا، حيث طرحت الدورة السادسة من الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني - العربي إطار تعاون «1+2+3»؛ أي اتخاذ التعاون في مجال الطاقة كقاعدة أساسية، واتخاذ مجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمارات كجناحين، والارتقاء بمستوى التعاون العملي الصيني العربي في ثلاثة مجالات ذات تكنولوجيا متقدمة كنقاط اختراق، تشمل: الطاقة النووية والفضاء والأقمار الصناعية والطاقات المتجددة. وفي هذا الإطار يستمر التعاون العملي الصيني - السعودي في مجالات البنية التحتية والطاقة والعلوم والتقنية والثقافة... إلخ، كما انضمت السعودية برفقة مصر والإمارات وقطر والكويت وعمان والأردن، مؤخرًا، إلى البنك الاستثماري الآسيوي للبنية الأساسية بصفة العضو المؤسس، وتمت كتابة دعم البناء المشترك «الحزام والطريق» في البيانات المشتركة الثنائية بين الصين وكل من السعودية ومصر وقطر، ووقعت الصين مع كل من قطر والكويت اتفاقية التعاون لـ«الحزام والطريق»، وتستمر مفاوضات التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. وفي السنوات العشر القادمة ستعمل الصين والدول العربية على زيادة حجم التبادل التجاري إلى 600 مليار دولار، وزيادة رصيد الاستثمار الصيني غير المالي في الدول العربية إلى أكثر من 60 مليار دولار، كما سيتم من الجانب الصيني تنظيم زيارات متبادلة بين 10 آلاف فنان صيني وعربي للتواصل، وتشجيع ودعم التعاون التخصصي بين 200 مؤسسة ثقافية صينية وعربية، وتوجيه الدعوة وتقديم الدعم لـ500 موهبة ثقافية وفنية عربية لزيارة الصين للمشاركة في الندوات الدراسية. وخلال الثلاث سنوات القادمة سيقوم الجانب الصيني بتدريب 6 آلاف موهبة عربية في مختلف التخصصات. وفي النهاية.. تمرُّ كلٌّ من الصين والدول العربية عامة، والسعودية خاصة، بمرحلة حاسمة من التحول والتنمية، ويحمل البناء المشترك لـ«الحزام والطريق» فرصًا مهمة للطرفين، ومفتاحُ إنجاح هذا البناء هو التعاون للكسب المشترك. وللعلم، فإن «الحزام والطريق» ليس معزوفة تعزفها الصين منفردة، وليس كعكة تأخذ الصين كلها أو معظمها، بل هو سيمفونية تلعبها كافة الأطراف، وكعكة تصنعها كافة الدول على امتداده لتتقاسمها معًا. إن الصين على استعداد لتعزيز الدمج بين الاستراتيجيات التنموية لها وللدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، والتمسك بمبادئ التشاور والبناء والتمتع المشترك، لكي يغتنم الطرفان الفرصة الظاهرة في إضافة حيوية عصرية جديدة إلى طريق الحرير القديم، ما ينفع الشعبين الصيني والسعودي، وشعوب الدول العربية ككل.