أثار كتاب "من هو شارلي؟" من توقيع المؤرخ وعالم الاجتماع الفرنسي إيمانويل تود جدلاً واسعًا في فرنسا على كافة المستويات. وأثار الكتاب الذي صدر في 7 مايو ، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية. ويشكك الكتاب في عفوية التظاهرات التي نظمت في فرنسا بعد الهجمات التي استهدفت مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة ومتجرا يهوديا بفانسان. واتهم تود ذوو الدخل المرتفع والكارهين للإسلام من النخبة السياسية أنهم وراء تظاهرات ذلك اليوم ، وأنهم أرادوا تشويه صورة الإسلام ، واتهمهم بالعنصرية . ويسلط إيمانويل تود الضوء على التظاهرات التي نظمت في 11 يناير الماضي بفرنسا للتنديد بالهجمات الإرهابية التي استهدفت مقر مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة بباريس ما أدى إلى مقتل 12 شخص. وأراد تود إيصال فكرة أن فرنسا التي خرجت إلى الشوارع في ذلك اليوم ليست فرنسا الأحياء الفقيرة والأرياف والعمال البسطاء. وقال تود إنه لا يمكن أن نزعم بأن جميع الفرنسيين خرجوا في 11 يناير الماضي للتظاهر في الشارع، بل جزء منهم فقط، بينهم موظفون كبار ومثقفون وفرنسيون ينتمون إلى طبقة اجتماعية ذات دخل مادي مرتفع في حين غاب عن هذه المسيرة الفقراء وسكان الضواحي والأرياف والعمال البسطاء الذي لم يشعروا بأنهم "شارلي". وفي حين سعت السلطات الفرنسية، وعلى رأسها الرئيس فرانسوا هولاند ورئيس الحكومة مانويل فالس، إلى تسويق صورة هذه التظاهرات على أنها أكبر تظاهرات تشهدها فرنسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مؤكدة على مدى التفاف الشعب الفرنسي بمختلف أطيافه وأديانه حول مبادئ الجمهورية والعدالة ورفض الإرهاب، جاء كتاب إيمانويل تود ليخلق شرخا في هذه النظرة ويطرح أسئلة لم تطرح آنذاك. ووجد الكتاب صدى واسع بعدما هاجم مؤلف الكتاب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس وزراءه مانويل فالس في مقابلة صحفية. وقال إيمانويل تود: "فالس وهولاند، اللذان يتحدثان صباحا ومساء عن العدالة وعن الحرية، بينما يخربان المجتمع الفرنسي بسياستهما الاقتصادية غير العادلة، هما اللذان يمثلان الوجه السيء لفرنسا". مضيفًا "بالنسبة لي تفاؤل مانويل فالس يشبه تفاؤل الثورة الوطنية وتفاؤل ماريشال بيتان (الذي كان مواليا للنازية) الذي كان يتهم فرنسيي المقاومة بأنهم ليسوا بالفرنسيين الحقيقيين". وقال تود في حوار خاص مع مجلة "لوبس" الفرنسية "عندما يشارك 4 ملايين فرنسي في تظاهرة لانتقاد ديانة الآخرين (يقصد هنا الدين الإسلامي) وعندما نعتبر أن المسلمين هم الفئة المستضعفة في المجتمع الفرنسي، طبعا شعر هؤلاء الفرنسيون بأنهم هم الأقوياء وهم الذين يؤمنون بالعدالة. لكن الحقيقة مخالفة جدا ولا تترجم ما يحدث على أرض الواقع". وأضاف تود: "ما يقلقني اليوم ليس حفنة من المتطرفين والمختلين عقليا الذين يرتكبون هجمات إرهابية باسم الإسلام، بل الهستريا التي أصابت المجتمع الفرنسي إلى درجة أصبحت الشرطة تستدعي أطفالا لا تتعدى أعمارهم 8 سنوات إلى مراكز الأمن". وتابع: "لا يمكن أن أتقبل الفكرة التي بدأت تنتشر داخل المجتمع الفرنسي والتي تقول بأن الإسلام يشكل خطرا كبيرا على حياة اليهود، لسبب واحد وهو أنه لا توجد قارة تعرض فيها اليهود إلى القتل والمجازر مثل القارة الأوروبية". ودعا إيمانويل تود إلى ترك المسلمين يعيشون باطمئنان في فرنسا. وقال: "يجب أن لا نضع كل المسلمين في كيس واحد مثلما تصرفنا مع اليهود في الثلاثينات، لأن مهما كانت درجة اندماجهم في المجتمع الفرنسي (المسلمون)، فهم أيضا بشر ولذا يجب الكف عن الضغط عليهم في كل مرة". لكن كتابات وتصريحات عالم الاجتماع إيمانويل تود لم تمر مرور الكرام لدى المسؤولين السياسيين والمثقفين بل استوقفت العديد منهم، وعلى رأسهم مانويل فالس الذي انتقدها بشدة كبيرة. فانتقد رئيس الوزراء فالس في موقع جريدة "لوموند" التحليل الذي قام به إيمانويل تود بشأن تظاهرات 11 يناير الماضي. وكتب فالس أن البعض يريد أن يقلل من أهمية التظاهرات التي نظمت في المدن الفرنسية، لكن في الحقيقة هذه التظاهرات كانت عفوية وشعبية والمبادرة جاءت من الفرنسيين أنفسهم الذي وقفوا وقفة واحدة أمام الإرهاب منذ 7 يناير الماضي". وأشار فالس إلى أن "المسيرات الشعبية التي جمعت حوالي 4 ملايين فرنسي لم تكن موجهة ضد الإسلام والمسلمين، بل كانت مجرد صرخة من أجل الكرامة والتسامح وضد الإرهاب والجهاد باسم دين غيرت مفاهيمه وأصبح يعتدي على دولة القانون وعلى القيم الديمقراطية ويقتل اليهود والمسلمين والمسيحيين".