هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصدرت فتوى من خلال موقعها الإلكتروني - كما نشرت صحيفة «الحياة» يوم أمس - بأن العمل في مجال السياحة (محرّم) وأن المال المكتسب من صنعة السياحة يعد مالاً محرماً، إضافة إلى أن زيارة المواقع التاريخية والأثرية تعد هي الأخرى أمراً محرّماً، وذلك يعني بالضرورة تحريم العمل في هيئة السياحة وحُرمة إنشائها من الأساس بحكم أنها تمارس أعمالاً محرمة على رأي هيئة حكومية تمثالها في التراتبية الإدارية، ولم يتوقف الأمر عند هيئة السياحة وإنما تجاوزه ليصل إلى مسألة فقهية ظلت مثار نقاش بين الفقهاء طوال القرون الماضية إلا أن الهيئة حسمتها ببضع كلمات وأفتت بأن كشف وجه المرأة (منكر) يجب إنكاره. والهيئة بذلك أعطت نفسها صلاحية إصدار الفتاوى بالمخالفة لاختصاصها الأصيل كجهة ضبط تطبق أنظمة الدولة ولا تفتئت على السلطة التشريعية في الدولة. فتوى الهيئة تثير مسألة قديمة وحديثة كثر الحديث حولها، وهي مركزية الفتوى في النظام التشريعي في الدولة؟ إذ لا يزال الكثيرون من المتشبثين بأهداب التراث يعتقدون أن الفتوى توازي النص القانوني الصادر من الجهاز التشريعي في الدولة، بينما هي لا تعدو أن تكون رأياً غير ملزم للدولة والمجتمع وإنما الملزم هو النص القانوني فقط الذي تصدره الدولة من خلال ذراعها التشريعية والذي يجب على الأجهزة التنفيذية الالتزام به وتطبيقه بما فيها الهيئة بغض النظر عن الرأي الشخصي الذي يعتنقه العضو أو قادة الجهاز، وهذا هو المفهوم الدقيق لمبدأ الفصل بين السلطات، إذ هناك جهاز يُشرع وهناك جهاز ينفذ وهناك جهاز قضائي يفصل بين الخصومات استناداً إلى تلك التشريعات. ما قامت به الهيئة هو أنها أعطت نفسها سلطة تشريع القاعدة القانونية وتطبيقها في الوقت ذاته، فهي ترى أن عمل هيئة السياحة محرم، وأن كشف الوجه محرم، وبالتالي أصبح (منكراً) ودخل في اختصاصها، والأخطر من ذلك أنها نصّبت نفسها جهة رقابية على الجهات الحكومية الأخرى الموازية لها في الهرم الإداري، وهو الأمر الذي يجب أن نتنبه له، وأن تعاد الأمور إلى نصابها القانوني السليم بأن يكون مفهوم الدولة هو السائد في تنظيم شؤونها بأدوات الدولة الحديثة التي من بينها (القانون) كذراع لإدارة شؤون الدولة، فالهيئة على سبيل المثال عندما (تأمر) بالمعروف و(تنهى) عن المنكر؛ فهي تمارس الأمر والنهي الذي لا يمكن أن يتصور إلا بناء على قانون وليست مجرد فتاوى شخصية غير ملزمة، فلا يمكن تصور أن شخصاً من الهيئة اقتنع بفتوى تحريم لبس الجنز ومن ثم يقوم بمنع ارتدائه بالقوة بحكم أنه يتكئ إلى السلطة التي اكتسبها من انتمائه إلى هيئة حكومية، لأنه عندها ستكون تلك السلطة مُجيّرة لتطبيق قناعته الشخصية غير الملزمة للناس وليس تطبيقاً للقانون الملزم. مسألة فك الاشتباك بين الفتوى والقانون؛ مسألة بالغة الأهمية؛ لأنه لا فائدة من الانفتاح التشريعي في ظل وجود فئة من البشر يعتقدون أنهم يمتلكون سلطة تفوق سلطة الدولة. *نقلا عن "الحياة" اللندنية