2015-10-10 

كاكا والإنفصال عن العراق

مصطفى زين

لا يترك مسعود بارزاني فرصة إلا ويستغلها للتلويح بالإنفصال عن العراق. استطاع كاكا الأسبوع الماضي الحصول على تأييد رئيس وزراء هنغاريا، ويحظى بدعم قوي من فرنسا وبعض الدول الأخرى، ومن شخصيات عالمية، خصوصاً صاحب مشروع تقسيم العراق جو بايدن. لكن هل إقليم كردستان جاهز للإستقلال عن بغداد؟ لا شك أن للأكراد مشاعر قومية وتطلعات إلى الإستقلال في دولة يدعونها كردستان الكبرى تتوزع جغرافيتها بين العراق وإيران وسورية وتركيا. وزادت هذه المشاعر قوة وشوفينية عبر السنوات، خصوصاً خلال الحصار الذي خضع له العراق، قبل وبعد حرب الخليج الثانية، حين ضعفت بغداد وخضعت لشروط المنتصرين في تلك الحرب، ثم بعد الإحتلال حين سلم الجيش الأميركي الحكم للقادمين من الخارج والأكراد، مفصلاً دستوراً يرضيهم ويخدم مصالحه، لكنه يؤسس للمحاصصة والتقسيم على أسس طائفية وعرقية، أي يقضي على دولة العراق الموحد وعلى دوره في الإقليم. وهذا يتوافق أيضاً مع مصالح دول محيطة ببلاد الرافدين، مثل إيران وتركيا، سعت وتسعى لإبقاء الحكم في بغداد ضعيفاً تتقاسمه الأحزاب الدينية والأقاليم، وتبعده عن العرب والعروبة، خصوصاً عن سورية (ينص الدستور على أن في الشعب العراقي جزءاً من العرب ويعطي الأقاليم حق مخالفته). واقع الأمر أن إقليم كردستان يتمتع الآن بالإستقلال. لديه سياسته وعلاقاته الخارجية الخاصة، ولديه جيشه الخاص (البيشمركة) وبرلمانه وقوانينه ونظامه القضائي، أي كل سلطات السيادة. ويمارس هذه السيادة بكل تفاصيلها حين يصر على تصدير النفط من دون العودة إلى بغداد (هناك اتفاق بين الطرفين أعاد النظر في هذه المسألة لكنه لم يطبق وما زال موضع خلاف) وحين يبني علاقات مباشرة مع أنقرة وواشنطن وباريس، ومعظم العواضم الغربية، ويوقع العقود مع شركات النفط. والآن، بعد ظهور «داعش»، وبعد سيطرة «البيشمركة» على معظم المناطق «المتنازع عليها» يرفض بارزاني وجود أي قوة إتحادية فيها، ويلوح بضمها إلى الإقليم «عنوة»، يساعده في ذلك ضعف المركز، وعدم قدرته العسكرية على المواجهة، فضلاً عن تمسكه بالفيديرالية وبالدستور، وتطلع عدد كبير من الطبقة الحاكمة إلى إقامة أقاليم في الجنوب والوسط تكون كردستان نموذجها الواقعي. لكن هناك بعض المعوقات التي تمنع بارزاني من إعلان الإستقلال، منها ما هو كردي داخلي، ومنها ما هو خارجي. في الداخل ما زال الخلاف مستحكماً بين السليمانية وأربيل، أي بين قبيلتي طالباني وبارزاني اللتين لم تستطيعا توحيد القوات العسكرية والمؤسسات المدنية حتى الآن، فضلاً عن عدم قدرة الحكومة على الإستقلال الإقتصادي عن بغداد وعجزها عن تأمين موارد تعوضها خسارة حصتها من الموازنة الإتحادية (17 في المئة) فنفط كركوك لا يعوض هذه الخسارة، والسياحة، على رغم كل الدعاوة، لا تسد أي عجز، خصوصاً إذا عرفنا أن الحكومة مضطرة إلى توظيف مئات الألوف في القطاعات العامة وفي الشرطة وقوات الأمن لأن القطاعات والمؤسسات الخاصة ضعيفة جداً، أو غير موجودة أصلاً. في الخارج، خصوصاً في المحيط المباشر، ما زالت طهران وأنقرة ودمشق، على رغم الحروب فيها وعليها، ترى في استقلال بارزاني تهديداً مباشراً لوحدتها، ولن تتوانى عن عرقلة هذا المشروع بالقوة إذا لزم الأمر. فضلاً عن ذلك فـ «حزب العمال» الناشط في تركيا وسورية، وحزب «الحياة الحرة» في إيران ليسا على وفاق مع بارزاني ويناصبانه العداء. نظراً إلى هذا الواقع، وما عرف عن كاكا مسعود من براغماتية، يصبح تلويحه بورقة الإنفصال عن العراق مجرد مناورة لكسب تأييد مواطنيه داخل الإقليم، والضغط على بغداد للحصول على مزيد من المكتسبات. المشاعر والحماسة وحدهما لا يصنعان أمة ولا يضمنان الإستقلال.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه