■ يا دمشق، يا أقدم مدن العالم كله وأجمل مدن العالم، يا من كانت رحلة الصيف تخرج من مكة إليك آمنة مطمئنة وكانت رحلة الشتاء تذهب إلى اليمن، قال تعالى «لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ». ■ يا دمشق يا مأوى الأنبياء والأولياء، فقد لجأ إليك يوحنا المعمدان هرباً من اضطهاد اليهود والرومان وشرف ترابك برفاته وقبره، إنه سيدنا يحيى بن زكريا الحصور الذى وصفه القرآن بالسيادة والنبوة «فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ» آل عمران (39). ■ يا سوريا.. أنتِ التى لجأ إليك معظم حواريى المسيح (عليهم السلام) طلباً للأمن والأمان وتبليغ رسالة المسيح بالمحبة والسلام وعبودية الله الواحد القهار وفيك أقدم كنيسة على وجه الأرض كلها. ■ يا دمشق.. يا من كنت عاصمة للخلافة الأموية -من معاوية وحتى هشام- وتلك التى ورثت الخلافة الراشدة وكانت تحكم نصف الكرة الأرضية وتستطيع هزيمة النصف الآخر والتأثير فيه حضارياً وفكرياً. ■ يا دمشق يا مثوى ومأوى وموطن أعدل العادلين بعد الراشدين وأزهدهم وأعبدهم وأخشاهم لربه الخليفة الخامس «عمر بن عبدالعزيز» الذى كتب له واليه على خراسان يستأذنه فى استخدام القوة والعنف والتعذيب مع أهل خراسان لكثرة تمردهم قائلاً: «إنهم لا يصلحهم إلا السيف والسوط»، فكان رد عمر الحازم والقاطع «كذبت.. بل يصلحهم العدل والحق فأبسط ذلك فيهم». ■ لقد رفض استخدام هذه الأساليب حتى لو كانت سترسخ حكمه.. ولكنه أراد كخليفة مجدد وعادل أن يحمى القانون وينفذه بالقدوة والأسوة والعدل. ■ يا دمشق الغالية، يا من عرفت عدل عمر بن عبدالعزيز.. كيف انتقلت من عدله إلى الظلم.. ومن رحمته إلى القسوة بشعبك وأهلك وذويك.. كيف تحولت من زهده ليكون حكامك من الطامعين، ومن رفضه للتعذيب إلى امتلاء سجونك بعشرات الآلاف من أبنائك. ■ يا سوريا الغالية.. هل نسيتِ أن حمص تحوى قبر الصحابى الجليل خالد بن الوليد أعظم قائد عسكرى فى تاريخ الإسلام الذى لم يهزم فى معركة قط والذى دوخ الروم والفرس والمرتدين حتى ظنوا أن سيفه نزل من السماء.. وهل تذكرين رائعة نزار قبانى بعد «نكسة 1967» التى هتف بأبياتها الرائعة عن قبر خالد بن الوليد والتالى جزء منها: «وقبر خالد فى حمص نلامسه فيرجف القبر فى زواره غضباً يا ابن الوليد ألا سيف نؤجره فكل أسيافنا قد أصبحت خشباً؟». تُرى ماذا يقول نزار اليوم لو رأى ما تعيشينه من مأساة؟ وتُرى ماذا يقول خالد بن الوليد اليوم لو خرج من قبره فرأى السورى العربى يقتل أخاه.. والشيعى يقتل السنى ويذبحه أو العكس.. أو رأى البعض لا يسل سيفه إلا على بنى دينه ووطنه وملته.. ويغمد السيف عند أعدائه الحقيقيين؟ ■ أنسيتِ أنكِ الحب الأكبر لنور الدين محمود ووالده عماد زنكى وهما أول من بذر بذور تحرير القدس ليحصدها صلاح الدين؟ ■ يا سوريا، يا من شرفت برفات وعظام محرر القدس العظيم «صلاح الدين الأيوبى» الذى عاش صباه فى دمشق وعشقها وتعلم فيها الزهد والنبل والتصوف مع الفروسية والقيادة والحرب.. هذا القبر وصاحبه يئن الآن لأنه لا يرى القدس فقط محتلة ولكنه يرى معها الوطن العربى كله أسيراً لدى إسرائيل التى صارت أقوى دولة فى المنطقة كلها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. ■ يا دمشق.. هل نشكوك إلى العروبة أم نشكو لك العربا؟.. نشكوك للدنيا فقط ظلم حكامك فقتلوا وأسروا وسجنوا وعذبوا وطردوا شعبهم.. أم نشكو داعش وجبهة النصرة وحزب الله والميليشيات الشيعية العراقية الذين يقتل بعضهم بعضاً ويفتك بعضهم ببعض.. ويدوسون الشعب السورى المسكين بينهم وإسرائيل على مرمى بصر منهم فيتعامون عنها وكل يزعم أنه يجاهد فى سبيل الله.. وكلهم يسعى لنصرة حزبه ونفسه وسلطانه.. وكلهم يحارب بالوكالة عن آخرين اتخذوا سوريا ملعباً لهم؟ ■ هذا نزار يخاطب دمشق قائلاً: «دمشق يا كنز أحلامى ومروحتى أشكو العروبة أم أشكو لك العربا؟». والله لو كان نزار الآن بيننا لمات كمداً على أحوال العرب والمسلمين.. ولبكى سوريا بالدمع الحار حينما يرى مبانيها قد هدمت وأبناءها شردوا وتحولوا من الغنى والعز إلى الفاقة والذل يتسولون «اللى يسوى واللى ما يسوى» على رأى المثل. ■ يا سوريا.. أين معاوية؟.. أين عمر بن عبدالعزيز؟.. أين سليمان بن عبدالملك؟ يا شامُ أينَ هما عينا معاويةٍ وأينَ من زحموا بالمنكبِ الشُّهبا فلا خيولُ بنى حمدانَ راقصةٌ زهواً.. ولا المتنبّى مالئٌ حَـلبا.. ■ يا سوريا.. لماذا تنكرت لأبنائك.. لماذا دب الشقاق والنفاق والهجر والدماء بين شعبك وفيك قبر «حذيفة بن اليمان» كاتم سر الرسول (صلى الله عليه وسلم).. ألم ينبئك بعد عن المنافقين ويحذرك منهم؟.. ألم يفتح لك صحيفة أسراره؟!! ■ هل نسيت يا سوريا أن ترابك شرف بقبر بلال بن رباح الذى رفعه الإسلام والقرآن من العبودية إلى السيادة «أبوبكر سيدنا وأعتق سيدنا أى بلال». ■ يا دمشق يا وطن الزهاد والعلماء مثل أبى حازم الذى كان سوط موعظته يبكى الملوك والحكام. ■ يا دمشق.. ألم يعش فيك ويعشقك الفقهاء العظام: «الذهبى»، صاحب «ميزان الاعتدال» الذى يقيس الناس بميزان الحسنات والسيئات ويعدل فى تقييمهم.. يا وطن «ابن تيمية» الأب والجد.. وموطن الفقيه الحنفى «ابن عابدين» و«ابن القيم الجوزيه» صاحب المؤلفات العظيمة.. وابن كثير صاحب أشهر التفاسير و«البداية والنهاية» فى التاريخ الإسلامى، ابن جماعة، وبدر الدين الحسينى والعينى.. وغيرهم وغيرهم. * نقلا عن "الوطن نيوز" المصرية