ربما تنحصر أكبر الهواجس العربية الآن فيما يمثله البرنامج النووي الإيراني من تهديد عبر الصيغة النهائية الواجب التوصل لها والمصادقة عليها قبل نهاية شهر يونيو 2015، فإيران تدرك تماماً أنها ليس في وارد القبول بالصيغة المطروحة، أي "لا تخصيب لليورانيوم قبل عشر سنوات من الان، والخضوع لبرنامج تفتيش ومراقبة صارمين يطال كافة منشآتها النووية". أضف إلى ذلك بند الإفصاح الملزم لها حول كامل منشآتها السرية إن وجدت قبل تاريخ الاستحقاق، مما سوف يمثل انتحاراً سياسي بالنسبة لها داخليا واقليميا بعد كل ما لحق بهيبتها المفترضة اقليميا بعد عاصفة الحزم . لكن يجب الاعتراف أن إيران حققت ما عجزت عن تحقيقة اسرائيل بتبنيها (خيار شمشون) أي خيار الضرورة القصوى أو الهزيمة، لذلك تحصلت اسرائيل على الضمانات المطلوبة لأمنها في كل الأحوال منذ اطلاقها لمشروعها النووي في 1953 حتى اخر حروبها الكبرى في 1973. فاسرائيل اعتمدت عقيدة الدفاع عن العمق الاستراتيجي الاسرائيلي باحتلال أرض الخصم، وهذا ما شرعت في تنفيذة عبر حروبها الخاطفة منذ 1956 حتى وقت تنفيذ ذلك في 1967 عندما احتلت كامل الضفة الغربية والجولان السوري، ناهيك عن احتلالها لأغلب ارض سيناء فعليا منذ 1956 . إلا أن اسرائيل اضطرت للتخلي عن سيناء وغزة. الا مقابلة المجتمع الدولي برفضة الاذعان لمطالبة اسرائيل بضم الجولان أو الضفة الغربية حدى بالجمهورية الإيرانية اعتماد استراتيجية مغايرة للاستراتيجية الإسرائيلية: أولا: الاستعاضة عن الاحتلال المباشر لدول عربية لأنه غير قابل للاستدامة بمشروع آخر هو "الهوية الشيعية" فكان لبنان الدولة الأكثر موائمة لإطلاق ذلك المشروع عندما "اختارها الجميع" لتكون ساحة لتصفية الحسابات، و ليأتي الاجتياح الاسرائيلي للجنوب اللبناني بعد ذلك في 1978 معززا ومكرساً لفرضية الدولة الفاشلة هذا اولا، و من ثم اطلاق أول الأحزاب العقائدية مذهبيا، أي "الشيعية العربية المقاومة لإسرئيل". ثانيا: ظهور احزاب تدين بالولاء لإيران لحد التبرأ من هويتها العربية بل أن يتطور ذلك لدرجة ظهور بعض الدعوات من مرجعيات شيعية مطالبة بالاعتراف "بالقومية الشيعية" في عام 2011 في خضم ما بات يُعرف لاحقا بالربيع العربي. وما كان كل ذلك ليتحقق لو لا الغزو الامريكي للعراق في 2003 تحت ذرائع عدة كان اخرها رفع الاضطهاد عن الشيعة العراقيين ووصولا لتقديم العراق لإيران بالكامل في 2006. وتحديدا هنا تم إطلاق مشرع الدولة الفاشلة الأكبر في الفضاء العربي توطئة لإطلاق الربيع العربي ومن ثم تحقيق الشرق الاوسط الجديد. هنا تفوقت علينا البرغماتية الإيرانية بامتياز مرة اخرى، فحققت إيران اختراقها الاستراتيجي اقليمياً وعربيا، بما فيه توظيف استحواذها للعراق في مفاوضاتها مع المجتمع الدولي حول ملفها النووي بعدما باتت تسيطر على كامل انتاج العراق من النفط، هذا أولا، أو بتهديد أمن المنطقة بشكل مباشر حينما تختار هي في رفع سقف مواقفها. ناهيك طبعا عن تهديداتها "الواهية" باغلاق مضيق هرمز وأغراق العالم في أزمة طاقة جديدة تهدد التعافي العالمي بعد الأزمة المالية علي خلفية انهيار أسواق المال العالمية في 2008 . ما سوف يثار في قمة البيت الابيض بين الرئيس أوباما و ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف سيتجاوز السياسي إلى الفني لكل اشكال التهديد لأمن واستقرار المنطقة ككل، بما في ذلك الضمانات الفنية والمعيارية للبرنامج النووي الأيراني من حيث الكفاءة في التشغيل والادارة لتفادي تشرنوبل أخرى. و علينا أن لا نعير الموقف الاسرائيلي المهول من الخطر النووي الايراني أي اعتبار لأنها لم تفتأ تحذر من "أن ايران ستمتلك سلاحا نوويا السنه المقبلة " منذ ٢٢ سنه مضت للاستهلاك السياسي والمعنوي فقط. السلاح النووي قائم على مبدأ ضمان السلم لا الانتصار في حرب، لذلك تتسابق نظم مارقة مثل إيران و كوريا الشمالية على امتلاك ذلك السلاح ليس بهدف الانضمام لنادي الكبار بقدر ما يعطيها ذلك أفضل إمكانية لابتزاز الدول المحيطة بها بينما تجوع هي شعوبها، وما تجربة كوريا الشمالية يوم الجمعة بالاطلاقها لصاروخها العابر للقارات من أحدى غواصاتها إلا مثالا حي على ذلك. يجب أن ندرك الخطر الأيراني الحقيقي المحدق بنا سياسيا واجتماعيا هو نجاحها في تحويل الانتماء المذهبي الى هوية بديلة للانتماء الوطني و الهوية العربية، وعلينا أن نواجه ذلك بشجاعة تقتضي أكثر من السياسة إلى الإصلاح الاجتماعي و التنموي عبر اطلاق برامج تتناسب وتحديات المستقبل لا الحاضر، مع ضرورة الاحتفاظ بكل آليات عاصفة الحزم وبنفس زخمها إلى وقت تحقيق كامل اهدافنا الاستراتيجية .