المساجد بيوت الله، لا يدخلها فرد إلا على طهارة وخشوع ورجاء. في مسجد الإمام علي في بلدة القديح الوادعة كان المصلون يملأون جنباته في أمن وطمأنينة، بينما انحشر بينهم إرهابي لم يردعه أن اليوم جمعة، وأن الوقت صلاتها، لم تؤثر فيه الآيات وهمهمات الدعاء، بل فجّر نفسه مرسلاً الموت إلى عدد من المصلين ونحو 20 جريحاً. استهداف المصلين منتهى الخسة الإرهابية، وعلامة ضعف، وجريمة تسعى إلى بث الفرقة بعد أن وأدت «الدالوة» جريمة لا تقل دموية، وجعلت منها رمز تماسك وتضامن، ثم تمكنت «الداخلية» من اصطياد كل المجرمين ومن والاهم وساندهم خلال ساعات فقط، وهي اليوم قادرة على ضبط الشبكة التي ضاقت بها الأرض، فلم تتورع عن جعل المسجد هدفاً لمجرد إشعال فتيل توتر، وإشغال البلد في داخله، ومحاولة تمزيق وحدته. الإرهاب عدو لنا جميعاً منذ تفجير الحرس الوطني عام 1994، وسلسلـة التفجيـــرات والاعتــداءات التي طاولت الريـــاض والخبر وينبع منذ 12 أيار (مايو) 2003، فضلاً على محـــاولة اغتـيال الأمير محمد بن نايف. طوال هذه الفترة تمكنت «الداخليــة» مــن اجتثاث خلايا نائمة، وإحباط عمليات كثيرة كانت موجهة إلى صدور المواطنين على رغم اعتماد الإرهاب أخيــراً علـــى ما يسمى «الذئاب المنفردة» سواء في الاعتداء على دوريــــات رجـــال الأمن فـــي المناطق المنعزلة، وصولاً إلــى جريمـــة الأمـــس فـــي مسجد الإمام علي في بلدة القديح. المجرم المنفذ تمزق قطعاً، لكن الذين وقفوا خلفه لن يهربوا، وسيأتي حصادهم عاجلاً، أما محاولة الفرقة فلن تنجح، لأن الدم الذي سال في القديح، كان في الوقت نفسه، يشاركه دم طفل من الطوال جنوب المملكة. هذه الصلة هي المواطنة فالخطر يتهدد الجميع إن أرخوا الحذر، أو انساقوا إلى التغرير، واستجابوا لموجات الكراهية والفتنة. كل الذين يروجون للفرقة مشتركون في الجريمة سواء جاء قولهم صوتاً أم كتابة، كل من خلط الصراع مع إيران على أنه صراع شيعي - سني هو الذي شجع الإرهابي على هذه الجريمة، إذ توهم ومعه المجرمون المخططون أن الفتيل على وشك الاشتعال، وأن جريمته ستخلف فوضى، وتحيل السعودية إلى ما يشبه حال العراق، حيث ترتفع الطائفية ممزقة النسيج الاجتماعي. حين يتم اصطياد المجموعة المجرمة فلا بد من إخماد كل صوت يروج للتطرف، ويزعم أن المجتمع فسطاطان لا يلتقيان. كل السعوديين تجمعهم المواطنة، وتوحدهم جرائم الإرهاب التي تحاول زعزعة أمنهم وإرهابهم. الإرهاب يورث الحزن والأسى والمرارة، لكنه يوقد الغضب، ويجمع الناس في مواجهة واحدة، ولعل ملاحقة الإرهابي نواف العنزي هي الدليل الحي على التصدي الاجتماعي للإرهاب. استهـــداف المساجد ورجال الأمن العابرين هي مرحلة ما قبــــل النهاية للجمــــاعات الإرهابية، لكنها تشير إلى موجة مـــن «الذئاب المنفردة» التي يتوجب أن يصطادها المواطن قـــبل الفرد، لأن انكشافاته الأسرية والاجتماعية أوســـع نطاقـــــاً مـــن الدائرة الأمنية، حيث تذوب خيوط الشبكة الجماعية فلا يكون ثمة عين حارسة أولى ومحورية سوى الأهل والجار والزميل.