2015-10-10 

الإرهاب في المملكة .. التشخيص والحلول

عبدالله بن كدسه

الواضح من مراقبة المشهد في المملكة بأن هناك نجاحات للمؤسسة الأمنية، متمثلة في جهود وزارة الداخلية لمكافحة الإرهاب وضعف مؤسسات المجتمع الأخرى، كل الجهود في حدود فكرة التحاور مع الإرهابيين أو توعية المتعاطفين، وهي جهود قد تعالج بعض الحالات الفردية، ولكنها لا تنفذ إلى العمق؛ لاجتثاث الإرهاب من جذوره. يجب علينا التعرف على بيئة هذا الإرهابي والظروف والعوامل التي تغذيه وتجعل منه إرهابياً، ومن المواطن البسيط متعاطفاً. علينا التعرف على المناخات الفكرية والخطاب الثقافي والظروف الاجتماعية التي تغذي الإرهاب وتعيد إنتاجه وتعطيه ذلك البريق في قلوب الشباب وعقولهم. مع كل حدث إرهابي أو قبض على خلية إرهابية نجد المال والرجال والسلاح، كيف وصلوا إلى هذا العدد؟ ومن أين أتى هذا المال؟ وكيف جاءت هذه الأسلحة؟ في كل مرة نحسب أننا وصلنا إلى نهاية هذا النفق المظلم نجد أنفسنا في مواجهة جديدة، المال يتدفق والسلاح متاح والإرهابيون يتزايدون عدداً وعدة، وأخطر ما في الإرهاب هم المتعاطفون، من يحمل هذا الفكر ولا يحمل السلاح، هذا من يتعاون ويمرر ويمول ويغض الطرف، وقد تناولهم خطاب الملك سلمان حول تفجير القديح. يجب أن نعرف ما الجاذبية الموجودة في الإرهاب؟ وما الجاذبية التي تجعل الحياة ترخص لدى الإنسان ويترك والديه وأهله ومجتمعه ووطنه ويُقدِم على تفجير نفسه؟، كيف يتحوَّل هذا الشاب من شخص يحب الحياة ويريد التميز والنجاح وتحقيق الذات إلى كاره للحياة عنيف ومقبل على الانتحار. صاحَب الجهدَ الأمني بعض الحملات المتواضعة في خطابها الفكري والعاطفي والإنشائي، خطاب ضعيف ومكرر عبر وسائل الإعلام الرسمية، وقد يكون لهذا الخطاب الفكري أثر في البداية، لكنه تحول مع الوقت إلى صيغ خطابية إنشائية سطحية جامدة لا تؤثر في المتلقي ولا تقنعه. الحل الأمني وحده قد يُشعل فتنة، فمع الأيام سنجد أن كثيراً من الأُسر فقدت أحد أفرادها إما بالسجن أو بالقتل، وهذا قد يثير رد فعل سلبياً عنيف ضد الدولة. الحل الأمني يفترض أن يكون آخر الحلول، فهذا الفكر الإرهابي يجب أن تتم مواجهته بالفكر والصوت والقلم وبالحجة والمنطق والعقل. حتى نصل إلى حلول يجب أن نجيب عن هذه الأسئلة: ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ وما الذي حدث؟ وهل كان بالإمكان تجنب ما حدث؟ وكيف يمكن تجنب ما حدث مستقبلاً؟ وبقراءة أدبيات الإرهاب، يبدو جلياً بأن الدين كان الدافع الحقيقي للفرد؛ للإقدام وبذل الغالي والنفيس والتضحية بكل شيء، ولا شك بأن ذلك تم بعد تحويل النصوص الشرعية وعسفها إلى نصوص، تدعم العنف وتدعو إلى قتل مسلمين أبرياء يشهدون بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وصل الإرهابي لهذه المرحلة نتيجة جرعات مركزة ومكثفة لخطاب دعوي متشدد متزمت امتد عقوداً، خطاب إقصائي يحمل تفسيراً ضيقاً للولاء والبراء، هذه الجرعات النارية المركزة التي يتلقاها الشاب يومياً لابد من أن تتراكم وأن يكون لها أثر على المجتمع في زمان ومكان معينين. هذا الإرهابي الذي يفجر نفسه لا يولد في يوم وليلة، بل يمر بفترة تنشئة وشحن مستمر ومركز ينقله، من حال عادية إلى أخرى تفضِّل الخلاص من الحياة. للإعلام دور في تشكيل قناعات الناس وأفكارهم، ولكن حتى تخاطب فئة معينة يجب في البداية أن تعرف خصائص هذه الفئة وديموغرافيتها. تجب معرفة من يقوم بهذه العمليات؟ وكم أعمارهم؟ وكيف هي أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية؟ يجب أن نتعرف على خصائص هذا الجمهور حتى نصل إليه مثل ما وصل إليه الإرهابيون. بالملاحظة وقراءة بيانات وزارة الداخلية تبين أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت أحد أهم الوسائل التي غُرِر من خلالها بهؤلاء الشباب، إذاً، ما الحل؟ ما المنابر والوسائل التي يستخدمها هذا الشاب للحصول على المعلومات والأفكار؟ ما الوسائل التي يستخدمها حتى نصل إليه عن طريقها؟ وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة حرة للإرهابيين؛ للتعبير عن أفكارهم وتسويقها على الشباب، بل وطريقة للتواصل والتنسيق معهم، هناك أكثر من 46 ألف حساب لمؤيدي تنظيم داعش في «تويتر» والعدد يزداد يومياً، في «يوتيوب» هناك أكثر من 1.7 مليون مقطع لـ«داعش»، عدد التغريدات بشكل عام في «تويتر» عام 2009 وصلت إلى مليوني تغريدة، وفي عام 2014 وصلت إلى أكثر من 500 مليون تغريدة يومياً، أي بمعدل مليوني تغريدة في أقل من 6 دقائق، كيف يمكن فلترة ومراقبة هذا العدد المهول وكم شخص تحتاج إلى مثل هذه المهمة؟ الحل يكمن في عمل استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب والتطرف تشارك فيها كل مؤسسات المجتمع، ولكن في الوقت الراهن وكحل سريع يجب عمل حملة طويلة على كل وسائل التواصل الاجتماعي حتى تصل إلى كل شاب لبث رسائل إقناعية عميقة المحتوى قصيرة الوقت. الحل يكمن في مزاحمة أصحاب الفكر الظلامي الإرهابي في هذه المنصات، وإيجاد محتوى عميق ومقنع وبسيط، رسائل تهز العقل والفكر، يجب أن يكون لنا دور استباقي ووقائي. وأخيراً، حفظ الله هذا الوطن وشبابه، ورحم الله الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل سلامة الناس ولأمن هذا الوطن.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه