على مدى أكثر من ستة عقداً، حققت المرأة السعودية ما يمكن أن يسمى نصراً كبيراً في مجال القرارات الخاصة بتمكينها، والاعتراف بها عضواً فاعلاً في المجتمع. وكانت الحكومة هي الحليف الأكبر للمرأة خلال هذه الرحلة التي بدأت بقرار يؤكد حقها في التعليم، من خلال مرسوم إنشاء الرئاسة العامة لتعليم البنات والأمر بفتح مدارس البنات في جميع أنحاء المملكة، الذي أصدره الملك سعود بن عبد العزيز، من خلال نطق ملكي نشر في جريدة أم القرى في يوم الجمعة 21 ربيع الثاني 1379هـ/1960م تحت عنوان "نطق ملكي كريم"، وكان عبارة عن نص أمر ملكي بتنفيذ رغبة علماء الدين الحنيف في المملكة في فتح مدارس لتعليم البنات. رحلة المرأة مع القرارات الحكومية التي تؤكد دورها وتمنحها حقوقها المشروعة توالت منذ ذلك الوقت بوتيرة بطيئة بعض الشيء في البداية، لكنها ما لبثت أن تسارعت لتصدر خلال العام الجاري دفعة كاملة من القرارات التاريخية والمصيرية، التي ستغير واقع المرأة السعودية للأبد. وبالعودة إلى سلسلة القرارات التاريخية في حياة المرأة السعودية، فإن النطق الملكي بخصوص فتح مدارس البنات أعقبه، دعم وتشجيع القرار، ومساندته من قبل الأمير فيصل بن عبد العزيز ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، إبان صدور القرار الأول في عهد الملك سعودي، ومن ثم المضي قدماً فيه، ومواجهة ردود الأفعال السلبية لبعض أفراد المجتمع التي نتجت عنه بكل حكمة عند توليه الحكم. وخلال عقود طويلة تم ترسيخ حق المرأة السعودية في الحصول على التعليم، والتعليم العالي أسوة بالرجل، وهو ما أثمر بخلق جيل من النساء المتعلمات والمؤهلات للمساهمة في الشأن العام، وحصدت المرأة السعودية ثمرة ذلك من خلال تطور تاريخي ومفصلي آخر تمثل بمشاركة المرأة السعودية في انتخابات الغرف التجارية لأول مرة في العام 2005 وهو ما تمخض عن فوز 4 سيدات في غرفة جدة للتجارة والصناعة، ثم توالت مشاركة المرأة في الغرف أخرى. وأثبتت السيدات السعوديات جدارتهن وأحقيتهن بالتمثيل في مجتمع المال والأعمال، الأمر الذي سلط الضوء من جديد على أهمية دعم المرأة وتمكينها للعب دور فاعل في التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها المملكة، ومن جهة أخرى ساهمت السيدات اللاتي شكلن طلائع السعوديات في مناصب فاعلة في الغرف التجارية في العمل على تنظيم ملف عمل المرأة ودفعه للأمام بهدف تحقيق نجاحات وانتصارات أخرى سيتم جنيها لاحقاً. وفي العام 2009 م، حققت المرأة السعودية نصراً آخر، كان بمثابة إعلان عن جاهزيتها للمشاركة على مستوى أوسع وأكبر، وإعلان عن ثقة الحكومة السعودية بكفاءة المرأة السعودية وأهليتها الكاملة للمشاركة الحقيقية، القرار الذي جاء على خلفية تعديلات وزارية، نص على تعيين نورة الفايز، كأول امرأة سعودية تتولى منصب نائبة لوزير التربية والتعليم لشؤون البنات، وهو ما اعتبرته السعوديات إيذاناً بدخول عصر جديد تجني فيه المرأة ثمار رحلتها الطويلة والشاقة لتطوير نفسها، وتأكيد حقها في المساهمة في التنمية الوطنية. أما الاستحقاق الأكبر والأهم في سلسلة القرارات التاريخية بشأن المرأة السعودية، فتمثل في إعلان خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، في 2011م عن المرسوم الملكي السامي بقرار مشاركة المرأة في مجلس الشورى تعييناً، والمجلس البلدي انتخاباً وترشيحاً في خطوة جبارة تعطي صورة واضحة عن مستقبل مشرق ينتظر السعوديات، وآمال كبيرة معلقة عليهن للمشاركة الفاعلة في التنمية، والقضايا الاجتماعية، والمشاركة السياسية. وهو الأمر الذي وصفه الكثير من المعلقين والمراقبين بكونه منصة لانطلاق قرارات أخرى جوهرية تصب في صالح المرأة. وفي العام 2012 توالت القرارات التي تصب في صالح المرأة، لكن في هذه المرة تركزت بشكل أكبر على قضية عملها، وإيجاد حلول سريعة وعاجلة لمشاركتها في سوق العمل، وتوسيع النشاطات التي يحق لها العمل والمشاركة بها، فصدرت عن وزارة العمل حزمة من القرارات المصيرية المنظمة لعمل المرأة السعودية، والتي تضمنت تنظيم عملها في محلات بيع المستلزمات النسائية، وحصر هذه المهنة بالسيدات، ووضع اشتراطات لتوظيف النساء في المصانع، وآلية جديدة لاحتساب عملها عن بعد في نسب توطين الوظائف. وإلى جانب القرارات المتعلقة بتنظيم عملها، صدر أيضاً في العام 2012م قرار وزارة الداخلية السعودية متمثلة بوكالة الأحوال بأن المرأة السعودية تستطيع استخراج هويتها الوطنية بموجب تعريف جواز سفرها السعودي دون محرم أو ولي أمر، بحيث تتعهد بتوقيع وبصمة أن البيانات لاستخراج الهوية بجواز سفرها السعودي تعود لها على أن تتحمل أيّة مسؤولية أو عقوبة بما يقتضيه نظام العقوبات في نظام الأحوال المدنية أو أيّ نظام آخر من العقوبات إن اتضح عكس صحة ما ورد في بياناتها. ومن ثم تعززت انتصارات السعوديات بقرار آخر عن عن إضافة الإناث وشمولهن بقرار تجنيس أبناء السعوديات المتزوجات من غير السعوديين ليشمل بذلك الذكور والإناث على حد سواء، وذلك وفق التعديل الذي طرأ على هذا النظام. وفي العام ٢٠١٥ والى جانب القرارات التاريخية السابقة تسعى الحكومة السعودية بدراسة قرارات عديدة تصب في صالح السعوديات، أخر تلك القرارات سماحها للمرأة السعودية الخوض في انتخابات المجالس البلدية كمرشحة وناخبة خلال شهر أغسطس من العام الجاري. وفي ضوء المعطيات الحاليه من المتوقع أن يستمر ربيع المرأة السعودية طويلاً، وأن يتغير دورها، وطبيعة مشاركتها الاجتماعية والتنموية لتصبح أكثر حضوراً وفعالية في المستقبل القريب.