كم حاجباً يرتفع عجباً لما يرد في نشرة الأخبار من التحركات الداعشية؟ وكم عيناً تتسع بمتابعة أحكام الإعدام الداعشية وقرارات الإبادة الوحشية؟ وكم قلباً تزداد دقاته بمتابعة الغزوات الداعشية؟ أغلب الظن أن الأعداد في تناقص مستمر. ويرجح أن تشهد أعداد المندهشين والمتعجبين انخفاضاً حاداً، مع تزايد أعداد المتعايشين والمتأقلمين مع الأوضاع الداعشية. وينبغي ألا نغفل في هذا المشهد المفعم بالأعمال الداعشية المنقول على الشاشات التلفزيونية دور الإعلام سواء كان ذلك بالكلمة أو التوصيف أو الصورة. وليس هناك أدل من كلمة «داعش» ذاتها التي تحتفل هذه الأيام بعيد ميلادها الرسمي الأول، وهو الميلاد الذي نقلها من حيز المحلية إلى آفاق العالمية، ومن ضيق الجماعة الصغيرة ذات الأهداف القليلة إلى الجماعة الكبيرة العابرة القارات غير المعترفة بالحدود ذات الأهداف الكثيرة التي لا يعرفها أحد على وجه الدقة. فمنذ أخذت الشاشات على عاتقها - سواء كان ذلك بسبب قوة الشوكة الداعشية أو بحثاً عن الإثارة الخبرية - مهمة بث أدق تفاصيل تطور داعش فكراً وتحركاً وتوسعاً، تحولت داعش من جماعة متطرفة إلى جزء لا يتجزأ من واقع المشاهد العربي اليومي. ومنذ قررت الشاشات عدم الاكتفاء بوجبة داعش الخبرية اليومية من أعداد الذبح ومقياس تطبيق الحد الداعشي ومعيار الانضمام إلى «الدولة الإسلامية» وثواب الجهاد في صفوفها وعقاب الخروج على أعرافها، انتقل المشاهد من حيز المتابعة الخبرية العاجلة التي كانت في البداية تثير العجب وتغرس الرعب إلى مجال المشاهدات المتأنية في الجوانب الإنسانية (بحكم ضلوع البشر فيها وليس بحكم إنسانيتها). وزاد طين المشاهدة المسترخية للحياة الداعشية بلة الرغبة في الاستزادة منذ دخل «جهاد النكاح» على الخط، حيث أخبار فتيات أوروبا الباحثات عن المتعة الداعشية، وتحقيقات فتية داعش الهاربين من نعيم الحياة في بلدانهم إلى جحيم الحرب في أشرس مناطق العالم وأكثرها اشتعالاً بالأحداث والفتن، وتحليلات «هل داعش من صنع الغرب أم الشرق؟» و»هل تمثل الإسلام أم أعداء الاسلام؟» و»هل هي إلى بقاء أم إلى زوال؟ وأخيراً «هل يبقى المذيع والمشاهد والمعد والمخرج على قيد الحياة تحت إمرة داعش أم يقتلون؟» يمكن القول إن نشرات الأخبار وبعدها برامج الحوارات قد أحكمت قبضتها اللغوية وسطوتها المرئية عبر الإعادة والتكرار، ما حوّل داعش من خبر غريب غير مقبول إلى جزء لا يتجزأ من حياة المشاهد اليومية. وليست مبالغة لو قيل إن المشاهد العربي صار متوقعاً دخول داعش بيته إن لم يكن اليوم، فربما غداً. وإن لم تأتِ إلى البيت، فإنه حتماً سيتأثر بوجودها في البيت المجاور. نجحت الشاشات في تدريبنا على اعتياد داعش. وسواء انتهت قصة داعش نهاية سعيدة حيث يقتلها الطيبون أو آلت إلى مأساة حيث تتنصر للشر وتقتل الطيبين، ستظل مدينة للشاشات منذ ثارت داعش على الخبر وصارت قصة.