سني وشيعي تعني: سعوديان على طائرة الوطن!

أن يذهب مجتمع كامل إلى المصحة النفسية هذا مالم يحدث من قبل، لكن هذا ما أوحت به حلقة سيلفي المعنونة ب( إقلاع إضطراري ) وإن لم تقله على وجه التصريح. وهذا الإيماء الذي وضعتنا إزاءه تلك الحلقة يجعلنا نعترف بأن النص في سيلفي يتجاوز العادي ويذهب بإتجاه المنافسة على نجومية العمل ويقدم نفسه كأحد أسباب نجاح الحلقة. بل أن هذه الحلقة تجعلنا نقر بأن النص الجيد قادر على الإسهام في تفرد العمل الدرامي بمايوفره له من ( دلالات احداث ومفارقات ومشاهد مشحونة ومواقف متنامية ومدهشة ومعبرة ). الحلقة التي كانت من تأليف خلف الحربي كانت إضافة جديدة لسيلفي. وهي تصلح أن تقدم كنموذج لكتابة نص إحترافي مكتوب بمنهجية واضحة على كل المستويات ( الشخوص و دلالة الاسم - الفضاء المكاني للاحداث - الحوار بين شخصيات العمل - تنامي الاحداث - اختيار النهاية ) وظهر جليا اهتمام خلف بتفاصيل صغيرة جدا كانت سر قوة النص وأحد أهم اسباب تفوق الحلقة تدور احداث الحلقة حول موضوع الاحتقان المذهبي بين السنة والشيعة الذي يشهده المجتمع . تبدأ الاحداث بمصادفة بين سعوديين احدهما شيعي و الاخر سني في طريقهما إلى خارج البلاد في رحلة سياحية ولأن الاثنان من بلد واحد فأنهما يلتقيان بحرارة ولايحتاجان الكثير للتعرف على بعضهما بل أنهما بعد ان يكتشفا انهما ابناء بلد واحد يرتفع مستوى الثقة لاعلى معدلاته حتى أن أحدهما يقبل بحمل حقيبة الآخرحتى لايكون هناك حمل زائد عليه، ودون ان يعرف مافي داخل الحقيبة من فرط ثقته في ابن جلدته بل حتى قبل أن يكتمل التعارف بينهما بمعرفة اسم كل واحد منهما. هذا المشهد الافتتاحي تم اختياره بعنايه ليكون توطئة وتمهيدا موفقا للاحداث اللاحقة. يتوالى الحوار بينهما وجاء اختيار نوع الحوارات دالا جدا حيث موضوعات الحوار لاتحدث بهذا القدر الا بين أصدقاءتجمعهما صداقة ممتدة و بينهما حميمية عالية رغم انه لقاؤهما الاول بل اللحظات الاولى منه ومايلفت هنا هو الاداء العالي لعبدالرحمن النمر وناصر القصبي، حتى انك تشك أن ما تشاهده عبر الشاشة جزء من حللقة في مسلسل درامي ، وعلى صعيد الشخوص لاحظنا أن دلالات الاسم للشخوص تم اختيارها بما يخدم التنامي للاحداث حيث في لحظة ما تكون دلالة الاسم لحظة فارقة وتشكل منحى آخر يوصلنا نحو ذروة الحدث فبمجرد اكتشاف ناصر لاسم مرافقه ( عبدالنبي ) بما يحمله من دلالات لطائفة بعينها ينقلب الحال ويبدأ في النفور من مرافقه بشكل حاد ابتداء من تعديل الاسم بما يتوافق مع الفكر السني ( عبدرب النبي ) في إلتقاطة واعية من كاتب النص لها دلالتها وعمقها. الامر نفسه يحدث لدى( النمر ) فما أن يجيء اسم ( عمر يزيد ) بما يحمله من إيحاءات حتى ينفر من مرافقه وتشكل هذه اللحظة منعطفا يصنع توترا مهما للحدث الدرامي يساهم في نقل الاحداث بسلاسة نحو نقطة آخرى حين يبدأ التراشق بينهما والتطاول والشتم عبر اختيار بعض المعتقدات من كل مذهب والتراشق حوله حتى يصل الأمر إلى العراك بالايدي رغم أنهما كانا من قبل يبذلان المستحيل من اجل الجلوس على مقاعد متجاورة. وكان العراك بالايدي والشجار سببا في حدوث إزعاج كبير للمسافرين وطاقم الطائرة المغادرة وهو ماحدا بطاقم الطائرة إلى الابلاغ عنهم لأمن بلد الوصول وتوقيفهما فور وصولهما. وتأتي نهاية الحلقة مشحونة بالاحداث الدرامية والمفاجآت مصحوبة بتنام جميل وموفق للاحداث مصحوبة بالمنطقية والسلاسة ولاتخلو من الدهشة، حين يجدان حرجا كبيرا في الافصاح عن سبب المشكلة التي نشبت بينهما. فيضطران للقول أن المشكلةالتي بينهما بسبب يزيد والحسين رضي الله عنه فيخبرهما أنه سيصدر بحقهما مذكرة إيقاف حتى يحضر الحسين ويزيد ، وتكون المفاجأة عندما يخبران المحقق أنهما ماتا قبل 1400 سنة وهو مايدفع بالمحققين إلى الشك في سلامتهما العقلية، ويتم تحويلهما لمصحة عقلية ، لتكون النهاية مثالية ومليئة بالجمالية وتترك المشاهد أمام سيل من الأسئلة. * (الفضاء المكاني للآحداث ودلالته ) ككل جزئيات العمل فقد جاء اختيار الطائرة ورحلة السفر لتكون فضاء تنطلق منه أحداث الحلقة بكل مايوحي به هذا الفضاء من دلالات معبرة ومايحيلنا إليه هذا الفضاء من معان تتعلق بالمصيرالمشترك الرحلة هنا تعني المرحلة وماتحتاجه من هدوء كما هو حلل المرحلة التي نعيشها. وعدم تعكير صفو رحلة الوطن نحو المرامي البعيدة ومانرنو إليه من نماء وتطور بعيدا عن ازعاجنا بالكثير من النزاعات الطائفية التي لاتخدم الوحدة الوطنية. فضلا عن دلالة إختيار عنوان الحلقة ( إقلاع اضطراري ) بما يعنيه من تطلعاتنا كمجتمع يتوجب على طائرته أن تقلع اضطراريا لننعتق من واقعنا وممارساتنا بالذهاب نحو غد مشرق يليق بهذا الوطن.