لم تكن مفاجأة، مع هذا آلمت الجميع، مفجر المسجد في الكويت سعودي، أيضا! قبلها كانوا سعوديين مفجري المسجدين في المنطقة الشرقية في المملكة، وفيديو لإرهابي مقبوض عليه في العراق كان سعوديا، كما أعلن تنظيم داعش في سوريا عن مقتل سعودي من مقاتليه، والشهر الماضي أعلنت جبهة النصرة عن مقتل مسؤولها الميداني في سوريا وهو سعودي، كما قتلت طائرة درون أميركية في اليمن سعوديا اسمه الربيش من قيادات «القاعدة»، والقائمة طويلة. لا بد أن الصورة التي رسمتها تبين وجود مشكلة كبيرة، اسمها التطرّف، وموجة من المتطرفين. معظم هؤلاء الذين قتلوا، أو لا يزالون يقاتلون في أنحاء العالم هم شباب، وأكثرهم تحت سن الثلاثين. أي أن معظم المتطرفين السعوديين اليوم كانوا أطفالاً عندما وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 التي صدمت المجتمع السعودي حينها، لأن 15 من الذين ركبوا الطائرات ونفذوا تلك الجريمة كانوا سعوديين مع أربعة آخرين، إماراتيان ولبناني ومصري. حينها كان السؤال لماذا اختار تنظيم القاعدة هذا العدد الكبير من جنسية واحدة، رغم وجود مئات من المقاتلين من جنسيات أخرى؟ قلنا حينها إن التنظيم استهدف السعودية عندما هاجم الولايات المتحدة، كان يريد وضع البلدين على طريق الصدام. وبالفعل قامت حملات سياسية شرسة تطالب بمحاسبة السعودية، واعتبروها مصدر الشرور، ولم تخفت الحملات إلا عندما اختار الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش العراق هدفا للانتقام. الآن يعود السؤال بقوة، لماذا لا يصلح السعوديون مجتمعهم، ويمنعون الانحراف الفكري الذي تخطت شروره الحدود؟ من الواضح أن هؤلاء المنحرفين وهم بالآلاف صنيعة التطرّف، وإلا لما ذهب إلى الكويت ليقتل بناء على مكالمة هاتفية وردته من تنظيم داعش! سار القاتل مثل المنوم مغناطيسيا، في نفس اليوم سافر إلى الكويت، وبعد بضع ساعات فجر نفسه وقتل وجرح ثلاثمائة مصلٍّ! من الواضح أنه بناء على الفكر الذي تشربه لم تتطلب العملية سوى إصدار الأمر ليذهب إلى مكان ربما لم يزره من قبل في حياته، فقد استقبله وكيل التنظيم على باب المطار وجهزه بحزام ناسف، ونقله في سيارة إلى المسجد ليرتكب جريمته. كم عندنا مثل هذا المنحرف ينتظرون مكالمات هاتفية لتفجير أنفسهم دون سؤال أو تفكير؟ والتطرف ليس مشكلة السعودية وحدها، فتونس لها نصيب كبير من حصة المقاتلين في التنظيمات المتطرفة وكذلك المغرب، وعشرات الدول الأخرى. لكن لا تصلح الأمور بالتهرب من مواجهة الحقيقة وخلق الأعذار، الحقيقة أن التطرّف متجذر، منذ أن دخلت السياسة المساجد في عقد الثمانينات، وأصبح رجال الدين يفتون في الشأن السياسي. ومن دون الاعتراف بالعلة الرئيسية، أي انتشار الفكر المتطرف، فإنه لا يمكن محاربة الإرهاب والقضاء عليه، بل ستستمر لعبة التفتيش، القط والفأر، وكلما تم القبض على مجموعة أنتج المتطرفون مجموعات أخرى، وهكذا. ومن الخطأ النظر إليها كمشكلة أمنية فقط، فهي تكبر ككرة الثلج وستتحول إلى أزمة سياسية. فالمتطرفون خطر كبير على أمن بلدانهم وأمن العالم، ويعرضون المصالح والعلاقات للخطر. هناك من يتهرب من المسؤولية متذرعا بأنها مشكلة عامة، بدليل أن لإيران عشرات الآلاف من المتطرفين المنخرطين في القتال في العراق وسوريا واليمن، ومع هذا لا أحد يشير بإصبعه لما يفعله الإيرانيون. الفارق بيننا وبين إيران، أن الإرهابيين السعوديين جماعات متمردة تهدد السعودية قبل غيرها. أما الإرهابيون الإيرانيون فهم جماعات تنخرط في منظومة تتبع الحكومة الإيرانية، مثل الجيش، وتأتمر بأمرها، وتخدم أهدافها. لقد مرت سنوات صعبة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، سعت فيها الحكومة السعودية على مستويات مختلفة تحاول إصلاح علاقاتها، التي كاد يدمرها الخاطفون السعوديون الخمسة عَشَر، ونجحت بصعوبة شديدة. وها هي جولة جديدة من الإرهاب والاتهامات واللوم. الشرق الأوسط