يحشد الجيش التركي قواته على الحدود مع سورية، بعدما راجت أنباء عن رفضه أوامر أردوغان لاختراقها وإقامة منطقة عازلة تضع حداً لتقدم الأكراد وتعيد «داعش» إلى مواقعه. وعلّل الجيش هذا الرفض بأن الرئيس لم يأخذ في الإعتبار موقف الحلف الأطلسي والولايات المتحدة، ولم يتخذ الإجراءات اللازمة لحماية هذه المنطقة، فضلاً عن تجاهله رد فعل دمشق وموسكو وطهران، والتورط في المستنقع السوري، أو المضاعفات التي ستنعكس على الداخل ومكوناته الإثنية والطائفية. سواء صحت هذه الأنباء أم كانت مجرد بالون اختبار فهي مؤشر إلى نوايا أردوغان الذي أعلن رئيس وزرائه داود أوغلو أن هدف الحشود العسكرية ليس الدخول إلى سورية «قريباً»، بل حماية تركيا من الأعداء، أي من الأكراد وحلفائهم السوريين الذين استطاعوا طرد «داعش» من عين العرب وبعض البلدات الأخرى وعرقلوا تقدم «الإنكشارية» ومخططاتهم في الشمال السوري. يتضح من رد فعل أردوغان المتسرع على التقدم الكردي أنه تيقن من فشل مراهناته طوال أكثر من أربع سنوات مضت، فـ»الجيش الحر» أصبح شراذم، و»داعش» يتراجع أمام الأكراد، و»النصرة» وأخواتها في صراع على المغانم والمكاسب، و»الجهاديون» القادمون من شتى أنحاء العالم موزعو الولاءات، و»المجلس الوطني» لا حول له ولا قوة، و»الإئتلاف» ليس لديه تأثير يذكر على الأرض. طبعاً من دون أن يعني ذلك أن النظام السوري في موقع قوة، أو أنه قريب من الإنتصار. مراهنات الرئيس التركي كانت، وما زالت، مبنية على أيديولوجيا حزب «العدالة والتنمية». وهي باختصار شديد أن المنطقة العربية كانت جزءاً من السلطنة العثمانية طوال أكثر من أربعة قرون، والأهم أنها إسلامية الطابع، لا يوحدها أو يحركها سوى الإسلام السياسي، خصوصاً أن التجارب القومية فشلت في ذلك والمنظمات والأحزاب الدينية فاعلة فيها. والنعرات الطائفية والمذهبية في كل الأقطار. والدعوات للعودة إلى الماضي منتشرة، تغذيها إحباطات الحاضر وغموض المستقبل، وأنظمة مستبدة عاجزة عن إيجاد حلول لمشكلات البطالة والفساد والتبعية، فضلاً عن عجزها المزمن عن مواجهة العدو الذي كان وحيداً، أي إسرائيل. وأصبحت بلدانها، بعد غياب مصر الطويل، وانهيار العراق وسورية، قابلة للتغيير. كل هذا شجع أردوغان على المضي في حلمه بدخول دمشق دخول الفاتحين، وتحقيق بعض من أهدافه على طريق تجديد العثمانية، فسورية كانت درة التاج السلطاني. منها انطلق العثمانيون، وقبلهم الرومان واليونانيون والأمويون لغزو الإقليم وما بعده، وصولاً إلى أوروبا غرباً والصين شرقاً. لكن الحلم شيء والواقع شيء آخر. الواقع أن تركيا، مثلها مثل معظم بلدان الشرق الأوسط، متعددة الإثنيات والطوائف، وحدتها علمانية أتاتورك وانكفاؤه إلى الداخل، لا التيارات الإسلامية السياسية التي كانت منتشرة في أرجائها. وليس حزب «العدالة والتنمية» أو غزو االبدان المجاورة ما يحصنها، بل العكس صحيح فالحزب بأيديولوجيته يفككها، ويحولها مسرحاً للصراعات.