تُحفظ بعض الجمل باعتبارها خير الإجابات وأسهلها مؤونة، يكفي أنها تنقذنا من اللحظات الضيقة والحرجة حين «يشنقنا» سؤال ما! هذه الجمل تقدم في قالب مكرر، وكأن الفاصل الزمني بين تقديم وآخر لا يد لنا فيه، ولا علاقة تربطنا به. هناك قضايا تَسْكُب نفسها بهدوء على الصعيد المحلي ولم نتمكن من أن نوجد لها ولو حلاً موقتاً ونزيحها من الطريق الرديء حيث يُجرف فيه كثير من القيم والمبادئ، قضايا كان الصمت في حضرتها سيداً وأباً وعماً، لكن الواقع لم يعد يعترف بالصمت ولا بأقربائه، فبات طرحها على طاولة النقاش والتدقيق والبحث والاستقصاء شيئاً لازماً فرضته معطيات حياة. أي قضية من هذه القضايا الشائكة المتصارع عليها بآراء مختلفة نطبع في وجه السؤال الذي يرد تحت تأثيرها بالإجابة الطازجة: «ضعف الوازع الديني»، ولو قرأ الآخرون إجابتنا لوضعوا أيديهم على رؤوسهم، لأن هذه الإجابة تدل على نقاط سود مدببة في الثوب الأبيض، وتقود إلى سلسة من التساؤلات الكبيرة البريئة التي يقف على هرمها السؤال: ماذا كان إذاً تأثير الخطاب الديني والضخ الدعوي طوال السنين الطويلة الماضية؟ الجملة الأشهر لمجابهة تساؤلات عازفة على الجرح، تؤكد أن الخطاب الديني لم يعد ذاك الخطاب المقنع، أو الأصح إن بعض من يقدمه لم يعد مقنعاً للحد الذي يقوي هذا الوازع. ولو تساءل أحد: لماذا أصبح خطابنا أو من يتصدى له بهذه الصورة المتراجعة؟ سأقف أنا وهو على سطر صريح يقول: إن الرفض المطلق من بعض مقدمي الخطاب الديني للخطأ البشري، والحديث عن أنفسهم بوصفهم أوصياء، وتدخلهم الدائم في كل شاردة وواردة، ساهم ذلك كله في نشوء حالة تشوه دينية وتضارب في القناعات ودخول اجتماعي إلى خانة الشكوك وأزمة التصديق الجماعي بما لا يمكن أن يصادق عليه في الخلوة والعزلة مع العقل. من ينظر ويتابعنا عن بعد يظن أننا المجتمع الغارق في الفضيلة، وأن إسلامنا بوضعه الحالي لا مثيل له ولا شيء فوقه. دخلنا هذه المساحة الضبابية وصدقنا أنفسنا، آمن المحبون من طريق السمعة أننا ممتلئون دينياً، وقادرون على سد أية ثغرة تعترضنا، وآمنوا كذلك أن ضعف الوازع الديني بفعل فاعل معلوم النوايا مجهول الشخصية، وآمنوا أيضاً أننا مستهدفون على طول الخط الرابط بين القوة والضعف. ضعف الوازع الديني مسبب بلا شك لحال تردٍّ عامة، يدافع عنا بوجه قوي لكن بروح واهنة ضعيفة، يقول إننا فائــــزون ولكن على الورق، لأن العبرة بالواقع والميدان، نتحدث عن أنفسنا بالأفضـــلية والخـــصوصية إنما نغرق في شبر ماء من الأسئلة الساخنة المشـــروعة. لســـنا طبعاً بالسوء التام الكامل، لكننا نبلغ درجة عالية من الخجل والمجــاملة والتنظير وتقديس الأسماء على حساب النصوص والمبادئ. ضعف الوازع الديني سبب بديهي لنمو القضايا المخجلة، ولكن - للحق - فلضعف الوازع الديني أسباب من صناعتنا وهي العابثة بالعقول والأسئلة والإجابات.