2015-10-10 

سياسيون وفنانون في أرض النفاق!

طارق الشناوي

في فيلم «الكيت كات» إخراج داود عبد السيد مشهد لا يُنسي، الشيخ حسني الضرير الذي يؤدي دوره محمود عبد العزيز في سرادق العزاء، وبعد أن انتهى المقرئ من تلاوة القرآن الكريم نسي العامل إغلاق الميكرفون، وانطلق حسني، وهو يعلن بمنتهى الصدق آراءه الصادمة في أهل الحي، التي لم يكن يستطيع أن يواجههم بها على الملأ. الشيخ حسني بالطبع رجل فقير وعلى باب الله، وليس لديه حسابات شخصية ولا مصالح استراتيجية ولا علاقة له بالبروتوكول، ورغم ذلك كادت هذه الآراء تُطيح به، فما بالكم برجال السياسة أو البزنس أو الفنانين، مثلا سبق أن استمع الصحافيون إلى الرئيس الأميركي أوباما عندما لم يدرك أن الميكرفون مفتوح، وكان يتحدث إلى الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف قبل ثلاثة أعوام، وقال: «إنه عندما سيعاد انتخابه سيكون أكثر مرونة في مواقفه السياسية»، وقبلها وعن طريق الخطأ أيضا استمع الصحافيون إلى كل من أوباما وساركوزي وقالا رأيهما السلبي في رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبين الحين والآخر نتابع على «النت» تسريبات لرجال سياسة تتناقض كثيرا مع آرائهم المعلنة. بين عشرات البرامج الرمضانية التي تلاحقك يأتي المذيع اللبناني طوني خليفة وبرنامجه «بدون ماكياج» عبر قناة «القاهرة والناس»؛ الفكرة ليست جديدة، سبق أن قُدمت في أكثر من برنامج، وهو أن تحصل خلسة قبل التصوير على آراء ضيوفك، لتتعرف على حقيقة آرائهم وما أعلنوه أمام الكاميرا، وبالطبع هناك دائما حسابات أخرى. بالتأكيد تجاوز البرنامج المعيار الأخلاقي في تسجيل تلك الآراء، لأن فريق العمل يستدرج الضيف في غرفة «الماكياج» ويوجهون له أسئلة، وهو يجيب عنها على سبيل الفضفضة، بينما الكاميرات تسجل ما يدور خلسة، وبعد تصوير اللقاء يسأله المذيع: هل توافق على العرض؟! عدد كبير منهم يتحرج في منح البرنامج الضوء الأخضر. لو عدت لأحاديث النجوم الشخصية وآرائهم الحقيقية عبر الزمان لاكتشفت هذا التباين بين المعلن والمسكوت عنه، كان فريد الأطرش مثلاً كثيرًا ما يُعلن عن رغبته في أن تغني له أم كلثوم رغم أنه في جلساته الخاصة كان يؤكد أنها لن تغني له لأنها تكره شقيقته أسمهان وتريد الانتقام منه، وهو رأي صادم وغريب لأن أسمهان رحلت عام 1944، وأم كلثوم عاشت بعدها 30 عاما؛ فهل هناك مشاعر انتقامية تستمر ثلاثة عقود من الزمان؟! على الجانب الآخر، تجد عبد الحليم الذي كان كثيرًا ما يصرح بأنه ينتظر على أحر من الجمر لحنًا من فريد، ولكنه في واقع الأمر يتهرب في اللحظات الأخيرة، لأنه يعتقد أن الصوت الوحيد القادر على أداء أنغام فريد هو فريد. هل تتذكرون رواية يوسف السباعي «أرض النفاق»، التي تحولت إلى فيلم سينمائي لعب بطولته فؤاد المهندس وشويكار، البطل جرّب كل الحبوب مثل الشجاعة والكرم والتسامح، فوجد نفسه في مواقف لا يُحسد عليها، فقرر أن يحصل على حبوب النفاق التي فتحت أمامه كل الأبواب، يقول يوسف السباعي في نهاية القصة: «يا أهل النفاق، تلك هي أرضكم وذلك هو عرسكم، ما فعلت سوى أن طفت بها وعرضت على سبيل العينة بعض منها، فإن رأيتموه قبيحا ومشوها فلا تلوموني بل لوموا أنفسكم، ومن كان منكم بلا نفاق فليرجمني بحجر». نعم، هناك تناقض دائما بين المعلن والمسكوت عنه، ولكن السؤال: هل نستطيع أن نتحمل تبعات حبوب الشجاعة؟!

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه