2015-10-10 

عندما يغيب الشعور بالمسؤولية عن حرية التعبير

ديفيد كول

رغم التحذير الصارم الذي يؤكد أن «الكونغرس لن يقر أي قانون يقيّد حرية التعبير»، لم تكن حرية التعبير يوما حرية مطلقة. وعلى كل نظام ديمقراطي تحديد الاحتياجات الجماعية، أو احتياجات الأفراد المتضررين التي تبرر وضع حدود للتعبير. على مدى السنوات القليلة الماضية، واجه مسؤولون في المحاكم، والهيئات التشريعية الكثير من التساؤلات، ومنها كيف يمكن تفادي أي تعارض بين الحق في المشاركة في تأييد حملة انتخابية، والمبدأ القائل بأن الديمقراطية ليست للبيع؛ وكيف يمكن الحفاظ على نشاط قوي مستدام على الإنترنت مع منع البلطجة، والملاحقة، والاحتيال، والتهديدات؛ وكيف يمكن حماية المستهلكين وإبقاؤهم على اطلاع دائم من دون التدخل في حقوق حرية التعبير الخاصة بأصحاب الأعمال؛ وهل يمكن تجريم حرية التعبير باسم مكافحة دعم الإرهاب؟ مع ذلك تشمل حرية التعبير ما هو أكثر من القضايا التي تحظى باهتمام إعلامي التي تصل إلى المحكمة العليا؛ فنحن جميعا نواجه باستمرار قضايا تتعلق بحرية التعبير بمعنى شامل عام في حياتنا اليومية. كيف ينبغي أن يكون موقف المدرسة تجاه إشارة عنصرية، أو جنسية، أو حتى بذيئة، قام بها طالب أو مدرس؟ من الذي يحق له تحديد الكتب المناسبة لصفوف تدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الثانوية؟ ما هي القيود التي ينبغي للوالدين فرضها على تصفح الأطفال للإنترنت؟ هل المطالبة بالتسامح تتطلب منا التسامح مع التعبير عن آراء غير متسامحة؟ يركز ديفيد شيبلر، الصحافي السابق في صحيفة «نيويورك تايمز» في كتابه «حرية التعبير» على تلك المسائل الجدلية اليومية، حيث يقدم ديفيد تصويرا حقيقيا من أرض الواقع لمزيج ثري، ومثير، وغير اعتيادي لمجادلات خاصة بالتعبير. ويغطي معارك محلية حول كتب في مدارس ومكتبات، ومصير مسرحية تتضمن حساسية سياسية على مسرح يهودي في واشنطن؛ وردود فعل على إشارات عنصرية سمجة قامت بها شخصيات عامة وخاصة؛ ودور مؤسسات دينية في حملات سياسية. شيبلر صحافي حائز جائزة، وتكمن قوة كتابه في عزمه على تمحيص الحقائق، وقدرته على تصوير معضلات حية من الواقع يواجهها الناس كثيرا في خضم المعارك الخاصة بحرية التعبير. على سبيل المثال، يستعرض بشكل مثير للاهتمام شخصين كشفا عن معلومات دون تصريح وهما توماس تام، وتوماس دريك. واجه كلا الرجلين تحقيقات جنائية لكشفهم لصحافيين عن معلومات بشأن وكالة الأمن القومي التي يتسم عملها بسرية كبيرة. وواجه تام تحقيقا استمر عدة سنوات رغم عدم توجيه أي اتهام إليه. وتم توجيه تهمة كشف معلومات سرية إلى دريك، لكن انتهى الأمر بإدانته بجنحة، عندما انهارت أركان القضية التي قدمتها الحكومة. من خلال استعراض شيبلر، الذي ينم عن تعاطف، يبدأ المرء في فهم أن هناك ثمنا مدمرا باهظا شخصيا لا بد أن يدفعه من يكشفون عن انتهاكات أو معلومات من دون تصريح يبدأ في تقدير شجاعة رجال مثل تام ودريك. ويعرفنا شيبلر بفرانك غافني، رئيس مركز سياسات الأمن، وجون غواندولو، عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق، وستيفن إميرسون، مدير الموقع الإلكتروني للمشروع الاستقصائي الخاص بالإرهاب. ويقول جميعهم إن الإخوان المسلمين منخرطون في مؤامرة دولية عبر مجموعة من المنظمات، التي تمثل واجهة يستترون خلفها، من أجل اختراق الحياة الأميركية، وبسط هيمنتهم على العالم. ويرى أن الوثيقة الأساسية التي يستند إليها الجانب الأكبر من هذه المزاعم، هي «مذكرة تفسيرية» مكونة من 15 صفحة وجدت عند تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزل في أنانديل في فيرجينيا عام 2004 وتحمل هذه الوثيقة توقيع محمد أكرم، أحد أعضاء لجنة فلسطين في جماعة الإخوان المسلمين، وتصف هدف الإخوان المتمثل في القيام بـ«جهاد كبير لمحو وتدمير الحضارة الغربية من الداخل». وتتضمن الوثيقة قائمة بـ«منظماتنا ومنظمات أصدقائنا» مع ذكر أسماء بعض الجماعات الإسلامية الراسخة التي تحظى بشعبية في الولايات المتحدة. ويطلق غافني على الوثيقة «حجر رشيد بالنسبة للإخوان المسلمين». ويوضح بحث شيبلر أن الأدلة الأخرى المفترضة على وجود مثل هذا محض تكهنات أيضًا. ويتعرض هذا الفصل، مثله مثل الكتاب ككل، لحرية التعبير وتأثيرها. وبطبيعة الحال يمارس غافني، وغواندولو، وإميرسون، حقوقهم التي كفلها لهم التعديل الأول، لكنهم بذلك يمثلون تهديدا حقيقيا للحريات السياسية للآخرين، كما يلطخون سمعة منظمات مدنية إسلامية تشارك في تعزيز الحريات المدنية، والحرية الدينية، والهوية الإسلامية، لا الإرهاب، بشبهات لا مبرر لها. ولا يعد موقف شيبلر دعوة إلى قمع الحديث عن نظريات المؤامرة، بل فقط توضيح ما تتسم به تلك المزاعم من مبالغة وعدم وجود ما يدعمها من أسانيد. ويمكن القول بإيجاز إنه يرد على حديثهم بحديثه. ولا يسع القارئ الموضوعي سوى فهم الحقيقة بشكل أفضل؛ وهذه هي حرية التعبير في أفضل صورها. مع ذلك أحيانا تكون رواية شيبلر ضعيفة بسبب تحيزاته، التي ربما يكون سببها عمله في مهنة الصحافة، التي تقربه على نحو ما من الأشخاص الذين يكشفون عن انتهاكات أو معلومات من دون تصريح، مما يدفعه إلى عدم الإقرار بالضرر البالغ الذي يتسبب فيه أحيانا كشفهم دون تصريح عن أسرار. من المؤكد أن الكشف عن معلومات كان سبب معرفة الكثير من الأسرار المزعجة، واكتشاف احتيال، وجرائم الحكومة؛ لكن هناك ما يسمى التسريب المسؤول، وليست كل التحقيقات الجنائية، والاتهامات الموجهة إلى مسربين مشبوهة أو تتضمن خطأ بالضرورة. على سبيل المثال، كتب شيبلر بإيجاز عن تحقيق في موضوع نشرته وكالة «أسوشييتد برس» يذكر أن عميلا مزدوجا يعمل لصالح الاستخبارات المركزية داخل الدائرة المقربة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية نجح في إحباط هجوم إرهابي. ولم يحدث هذا الكشف عن الموضوع تأثيرا إيجابيا يذكر على النقاش المجتمعي، بل وقوض قدرتنا على مقاومة تنظيم يمثل خطرا وتهديدا مستمرا. مع ذلك لم تذكر رواية شيبلر المخاطر المحتملة لمثل تلك التسريبات، بل عوضا عن ذلك ينتقد الحكومة لقيامها بـ«أكبر عملية فحص لسجلات الصحافيين في تاريخ أميركا». وما الذي نتج عن ذلك؟ الحصول على تسجيلات لأرقام هواتف اتصلت بها مكاتب وكالة «أسوشييتد برس» مشاركة في كتابة هذا الموضوع في تلك الفترة. ما لم يقله شيبلر هو أن ممثلي الادعاء العام فعلوا ذلك فقط بعد استنفاد كافة البدائل الأخرى، وعمل مقابلات مع أكثر من 500 شاهد على مدى ثمانية أشهر من دون العثور على الفاعل. وبمجرد الحصول على تسجيلات الهاتف، تم تحديد هوية الفاعل، وهو عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي، فورا، وإدانته ليس فقط لكشفه عن أسرار من دون تصريح، بل أيضا لحصوله على محتوى إباحي لطفل ونشره. مع ذلك يقدم شيبلر هذه الاستجابة المبررة لتسريب غير مبرر تماما باعتباره تجاوزا حكوميا. ومن غير المفيد أن يتتبع شيبلر هذا الموضوع من خلال قوله إن «الصحافيين الذين تم الطلب منهم وأد القصة لا يستطيعون توقع تأثير ما فعلوه أو نشروه بدقة. ولا ينبغي لهم محاولة القيام بذلك». ويشير هذا الطرح، الذي رفضته كل المؤسسات الإخبارية التي أعرفها، ضمنا إلى أن الاحتفاظ بسرية المعلومات ليس مضمونا أبدا. وفي الوقت الذي تتجه فيه الحكومات إلى تشديد طوق السرية المحيط بالمعلومات، بالكاد يعقب ذلك إضفاء الشرعية على الاحتفاظ بالأسرار. حرية التعبير ليست مطلقة، لذا الحل ليس دائما هو الكشف والإعلان. في هذا الأمر على الأقل كان إقرار شيبلر بصعوبة الاختيار، التي كثيرا ما تتضمنها حرية التعبير، سيضفي تنوعا على تحقيقه الخاص بحرية التعبير. مع ذلك بوجه عام يقدم شيبلر تفاصيل قيمة ومفيدة تثري القضية المستمرة المتعلقة بالتعديل الأول في القانون الأميركي.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه