بعيداً عن المجاملات والحسابات الشخصية والمكتسبات التي يمكن للدول أن تحصل عليها، وهو أمر مشروع في الحياة، لأن المنطق يقول إن من حق كل شخص أن يحقق نجاحاً شخصياً له ولبلاده، ولكن غير المقبول هو أن يكون هذا النجاح على حساب الشفافية والصدقية والأخلاق، وما يحدث في «فيفا» (كمنظمة) لا يجعلنا نتردد أو نشك للحظة أن هذه المؤسسة فاسدة باعتراف رئيسها، «الذي لا نعرف هل استقال كما أعلن، أم أننا نحن السبعة بلايين نسمة الذين لم نفهم ما قاله»، بعد أن فتح النار الجمعة الماضي على مسؤولي «فيفا» وقال إنه لا يستطيع مراقبتهم، وإنهم منتخبون في بلادهم، وإنه يسعى للإصلاح، ولكن الأوروبيين لا يسعون سوى للإطاحة به حتى على حساب الإصلاح. المشكلة أن «فيفا» هو بيتنا وهي دولتنا الكروية التي يحق لنا أن نتحدث عنها، وأن نطالب بأن تكون خالية من كل الشكوك التي تثار حولها، لأن كرة القدم رياضة، والرياضة أساسها التنافس الشريف، وشعارها اللعب النظيف، وبالتالي لا يمكن لفاقد الشيء أن يُعطيه... فكيف تنادي منظمة باللعب النظيف وهي نفسها عرضة لتحقيقات «إف بي آي» والإنتربول، وبعض أعضائها إما موقوفون مدى الحياة أو مسجونون أو ملاحقون قضائياً. وأتفق مع بلاتر أن الأعضاء يمثلون دولهم التي اختارتهم كي يكونوا في المكتب التنفيذي، ويمثلون من صوت لهم ومن دعمهم كي يصلوا إلى هذه المناصب، وأتفق أن الفساد يمكن أن يتسرب حتى لهيئات ومنظمات مكافحة الفساد نفسها، لأن النفس البشرية أمارة بالسوء، ولأن كرة القدم هي الدجاجة التي تبيض ذهباً، لهذا دخل المدير العام لشركة «آديداس» ورشح بلاتيني بدلاً عن بلاتر، لأن «آديداس» أحد أهم رعاة «فيفا»، والمال له سطوة تماماً، كما سبق وهددت «فيزا» و«كوكا كولا» وغيرها من الشركات العالمية العملاقة بمقاطعة «فيفا» في حال بقي الفساد قائماً، ولكن البعض يحاجج في موضوع هذه الشركات وتدخلها حتى في قرارات «فيفا»، وفي أمور سيادية أخرى مثل موضوع استضافة قطر لكأس العالم 2022. وربما نتفق جميعاً على أن كارهي بلاتر لهم أجنداتهم أيضاً، وهم ليسوا من صنف «الملائكة» حتماً، فالاتحاد الألماني مثلاً ومثله الاتحاد الأوروبي ليست فيه لجنة أخلاق بحسب تعبير بلاتر نفسه، وأعتقد أن الحل يكون بإيجاد آليات مراقبة صارمة وملزمة على نشاطات «فيفا» من جهات عدة دولية بموافقة «فيفا» نفسها، وهذا لا أعتبره تدخلاً في شؤون الاتحاد الدولي، بل ضرورة للحفاظ عليه وعلى صدقيته أمام البلايين من الناس، وضروري لكرة القدم هذه اللعبة التي نعشقها ونتابعها، وباتت رئة ثالثة نتنفس منها، أو بإيجاد لجنة لا تتبع لرئيس «فيفا» أو تخضع لسلطته، مثل المحكمة العليا أو هيئة رقابة وتفتيش يكون أعضاؤها قضاة ومحققين من خارج «فيفا» وليس من أعضائها، لأن لكل عضو حساباته وأجندته الخاصة، ولست مع الاستعانة بقضاة أو محققين من خارج «فيفا»، «بالقطعة» أي لحالات معينة فقط، أو أية آلية يراها العالم مقبولة وصاحبة صدقية حتى ننتهي من هذا الجدل العقيم حول أهم هيئة دولة في الكرة الأرضية. ولكن تبقى المشكلة أن القرار كان وسيبقى بيد أعضاء «فيفا»، وهم تحديداً من تدور الشبهات حولهم جريدة الحياة