شارك رئيس تونس السابق المنصف المرزوقي في رحلة «سفينة ماريان» السويدية لكسر الحصار المفروض على غزة. وروى تفاصيل الرحلة في مقال جميل عنوانه «الشوق إلى غزة» نشر على موقع «الجزيرة نت». الرحلة حققت نجاحات متواضعة، وانتهت مثل سابقاتها، لم تكسر الحصار. النتيجة كانت متوقعة، وفي مقال سابق أشرت إلى عدم إيماني بهذه الرحلات، التي أصبح بعض الدول يستخدمها لتحسين صورته. كسر الحصار على غزة ليس بحاجة إلى مناضلين يكفيهم من المحاولة فضح صلف الدولة اليهودية واستهتارها بحقوق الإنسان، بل إلى إرادة سياسية غير موجودة لدى المجتمع الدولي. لكن على رغم فشل الرحلة في تحقيق هدفها، ألا أنها كشفت لنا أن المدة التي قضاها المنصف المرزوقي في الرئاسة لم تغير حسه الشعبي، وشخصيته المناضلة، فضلاً عن أن طبيب الأعصاب، والكاتب في الفكر والحقوق والسياسة، يتمتع بحس أدبي متميز، وعبارة قصيرة جذابة، والاهم من هذا كله امتلاكه رؤية سياسية متقدمة وإنسانية ومختلفة، لحل الصراع العربي - الإسرائيلي. خلال ساعات الانتظار، في رحلة العودة من تل أبيب، تخيل المنصف المرزوقي كابوساً، وتداعت صور موحشة إلى ذهنه، لكنه تخلص من الصور البشعة، وبدأ يحلم على طريقة نلسون مانديلا في جنوب أفريقيا. يرى المرزوقي أن «الحل الوحيد هو الدولة المدنية الديموقراطية للجميع على شاكلة التي خلقها مانديلا موفراً على الشعبين تراجيديات فردية وجماعية لا عد لها ولا حصر». ويتساءل: المشكلة أين هو مانديلا الذي سيقلب الكابوس إلى حلم؟ مروان البرغوثي المحكوم بعشرين مؤبداً؟ ويضيف، لكننا بحاجة أيضاً إلى مانديلا إسرائيلي، ترى هل هناك أم يهودية بصدد تربيته للمهمة العظمى؟ لكن التاريخ لا يكرر نفسه. ربما الحل لا يكمن في شخص وإنما في تيار مانديلي. في رؤية مانديلية تنتصر على الرؤى المجنونة التي تغذي حرباً لا تريد أن تنتهي، في حزب مانديلي عربي - عبري، يفوز بالانتخابات ديموقراطياً ويبني دولة للجميع وسلاماً عادلاً ومستقبلاً آمناً للأجيال المقبلة. حلم المرزوقي يجري تداوله منذ سنوات بين بعض النخب اليهودية والعربية في الولايات المتحدة، ولكن على استحياء وخوف شديدين. هذا الحلم بحاجة إلى قيادات شجاعة من الجانبين. ما زال الإسرائيليون عاجزين عن أنجاب أبطال يصنعون السلام، ويؤمنون بفكرة التعايش. ولهذا قتل المتطرفون اليهود إسحاق رابين، وما زال الفلسطينيون يؤمنون بسلام يمكّنهم من الحرب لاحقاً. لا شك في أن الزعامات الفلسطينية والإسرائيلية الراهنة ليست راغبة، فضلاً عن أنها غير قادرة على تحقيق هذا الحلم، أو الاقتراب منه، والمؤسف أن وجودها وتصدرها للمشهد مرهونان بقدرتها على مواصلة الصراع. الأكيد أن البدء في الحديث عن حل الدولة، وليس الدولتين، وتقريبه إلى عامة الناس، هو الخطوة الأولى للوصول إليه، وإن طال الوقت، وتطاولت الأصوات المتطرفة بالتخوين.