لم يبدُ أوباما سعيداً يوماً، كما ظهر بالأمس في مؤتمره الصحفي الذي عقده في الساعة السابعة صباحاً بتوقيت واشنطن، كما وظهر ولأول مرة على شاشات التلفزيون الإيراني الرسمي، ولِمَ لا يكون أوباما في هذا الحال وقد حقق، كما يعتقد، «نصراً» تاريخياً فشل الكثيرون ممن سبقوه في تحقيقه، وتمكن من إعادة العلاقات مع الحليف القديم للولايات المتحدة! فالاتفاق الرسمي الذي توصلت إليه مجموعة «5+1» مع إيران بشأن برنامجها النووي بالأمس في فيينا، بعد محادثات ماراثونية أنهى عقوداً من القطيعة بين البلدين، واليوم يصبح «الشيطان الأكبر» وواحدة من دول «محور الشر» أصدقاء وحلفاء، وربما أكثر، ولن نفاجأ إذا ما رأينا الرئيس الأميركي باراك أوباما في طهران قريباً. وبقدر ما كانت طهران متلهفة لهذا الاتفاق، ورضخت لتقديم التنازلات تلو التنازلات من أجل تحقيقه، فإن الغرب كذلك كان حريصاً على إبرام هذا الاتفاق، ولم يتردد أيضاً في تقديم بعض التنازلات، وما إن تم الإعلان عن توقيع الاتفاق رسمياً حتى بدأ المسؤولون الغربيون يتسابقون للوصول إلى طهران، ويتنافسون، من منهم يصل أولاً، فالكل يريد أن يحصل على النصيب الأوفر من الكعكة الإيرانية وهي ساخنة. ومن المهم أن يدرك جميع أولئك أن تسابقهم هذا يجب ألا يكون على حساب مصالح دول المنطقة وشعوبها، التي عانت كثيراً من التدخلات الإيرانية في شؤونها ومشاركتها في زعزعة الاستقرار في بعض دول المنطقة وفي دعم المجموعات الإرهابية والقيام بأعمال تخريبية.. كما أن شعوب المنطقة لا تستطيع أن تخفي قلقلها من انعكاس الاتفاق على تزايد الدور الذي تلعبه إيران في الشرق الأوسط، والمخاوف من أن يسهم تدفق الأموال إلى خزانة طهران في استمرار الصراع الطائفي في المنطقة. واليوم بعد أن اتفق العالم على إغلاق ملف البرنامج النووي الإيراني، فإننا كشعوب في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني بشكل يومي من نتائج التدخلات الإيرانية في شؤونها سنحاول أن نكون إيجابيين تجاه هذا الاتفاق، وأن نعتبره فرصة جديدة لإيران، وللمنطقة لقلب صفحة الماضي، على أمل أن تعيد طهران حساباتها في شكل علاقاتها مع جيرانها، وأن تكون عنصراً للبناء، وعاملاً للاستقرار، وجزءاً من حل مشكلات المنطقة.. وقد يساعد تأكيد الاتفاق على استمرار حظر الأسلحة على إيران لمدة خمس سنوات، ومد الحظر على الصواريخ لثماني سنوات على تهدئة بعض المخاوف بشأن احتمال إسهام طهران بتسليح بعض القوى في المنطقة، لكن الجميع يترقب تصرفات طهران وسيراقبها خلال الأيام المقبلة. وإذا ما اعتبرنا أن هذا الاتفاق حقق نجاحاً، فإننا نتمنى ونأمل، كما أعرب الشيخ محمد بن زايد خلال اتصال أوباما به بالأمس، عن أمله «أن يؤدي هذا الاتفاق إلى وقف الطموحات النووية العسكرية في المنطقة، وأن يعزز الآمال بخلو المنطقة من أسلحة الدمار الشامل»، فالمنطقة لا تزال بحاجة إلى جهد المجتمع الدولي لتخليصها من جميع الأسلحة النووية دون استثناء أو تمييز. جريدة الاتحاد