2015-10-10 

دول الخليج والإدارة الرشيدة للموارد المالية

مسعود أحمد

عند النظر إلى اقتصادات مجلس التعاون الخليجي — الإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان وقطر والكويت والمملكة العربية السعودية — ندرج وجود عامل جديد أسهم في تبديل قواعد اللعبة المستقرة، وهو انخفاض أسعار النفط في العام الماضي. وقد أصبحت هذه الاقتصادات مؤهلة لمعالجة الواقع الجديد بفضل إدارتها الرشيدة للموارد المالية على مدار العقد الماضي، ولكنها ستحتاج بالضرورة إلى تعديل إنفاقها تمشيا مع انخفاض الإيرادات، مع السعي في نفس الوقت إلى توفير فرص عمل كافية لسكانها الشباب. وعلى المستوى الإقليمي، ينبغي أن يتزامن هذا الجهد مع استمرار دورها الداعم للاقتصادات الأقل ثراء من خلال المساعدات المالية وتحويلات المغتربين وأنشطة الاستيراد. في معظم سنوات العقد الماضي، أدى ارتفاع أسعار النفط إلى توسع كبير في الإنفاق الحكومي، وتحقيق نمو اقتصادي قوي، كما ساعد على توفير فرص عمل في هذه البلدان. غير أن تلك الفترة انتهت ليحل محلها واقع جديد، فمع انخفاض أسعار النفط، أصبح من الضروري إجراء خفض تدريجي في الإنفاق الحكومي، أو على الأقل إبطاء معدله على نحو ملموس، ولا سيما في البلدان التي لا يتوافر لها إلا احتياطيات وقائية محدودة في ماليتها العامة. وإذا حسبنا التغير بالقيمة الدولارية، نجد أنه من المتوقع انخفاض إيرادات التصدير في منطقة مجلس التعاون الخليجي بنحو 300 مليار دولار بين عامي 2014 و2015. وستتحول الموازنات الحكومية إلى تسجيل عجز كبير في هذه المنطقة، كما ستشهد فوائض الحسابات الجارية تراجعا حادا. وقد تمكنت الحكومات في معظم دول المجلس من تجنب إجراء تخفيضات حادة في الإنفاق بفضل احتياطياتها الوقائية الكبيرة. ومع هذا، فمن المتوقع استمرار معظم التراجع الذي سجلته أسعار النفط، ومن ثم ينبغي أن تعمل الحكومات على تطبيق خطط جيدة التصميم لضبط أوضاع المالية العامة على المدى المتوسط، بغية تحقيق الاتساق بين الإنفاق وانخفاض الإيرادات. فكيف يتم ذلك؟ من المجالات التي يمكن اعتبارها أولوية رفع أسعار الطاقة المحلية بالتدريج، وهي أسعار لا تزال شديدة الانخفاض في معظم دول المجلس بكل المقاييس الدولية. ومن شأن زيادة أسعار الطاقة بالتدريج - مع اتخاذ تدابير كافية لتعويض فئات السكان ذات الدخل المنخفض والمتوسط - أن تساعد على كبح النمو السريع في استهلاك الطاقة على المستوى المحلي، والحد من الحوافز الحالية التي تدعم التوجه نحو الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، وإثراء الخزانة العامة في تلك البلدان. وقد شرعت معظم دول مجلس التعاون الخليجي بالفعل في إصلاح أسعار الطاقة. فقامت البحرين والمملكة العربية السعودية برفع تعرفه الكهرباء على الاستهلاك الصناعي، كما رفعت الإمارات العربية المتحدة تعرفة الكهرباء والمياه على عموم السكان، ورفعت عُمان أسعار الغاز الطبيعي للأغراض الصناعية، ورفعت كل من الكويت وقطر أسعار الديزل. ولكن الأمر لا يزال يتطلب مزيدا من الجهود في هذا الخصوص. نظرا لما يُتوقع من تباطؤ في معدل الإنفاق الحكومي، ينبغي أن تبحث دول المجلس عن قاطرات بديلة لدفع عجلة النمو. ففي الماضي، كان النمو الاقتصادي مدفوعا بالإنفاق الحكومي، ولا شك أنه ساعد على تنمية هذه الاقتصادات وتحسين مستويات معيشة سكانها. ولكن اقتصادات مجلس التعاون الخليجي لا تزال شديدة الاعتماد على النفط. ومن شأن زيادة التنويع الاقتصادي أن تحدّ من تعرضها للتقلب وعدم اليقين في سوق النفط العالمية، وأن تساعد على توفير فرص العمل في القطاع الخاص، وزيادة الإنتاجية والنمو القابل للاستمرار، وإقامة الاقتصاد غير النفطي المطلوب في المستقبل عندما تبدأ الإيرادات النفطية في النضوب. كذلك يتعين على القطاع الخاص غير النفطي توفير مزيد من فرص العمل لمواطني دول المجلس الذين يتخرجون في الجامعات والمدارس بأعداد غير مسبوقة. فكثير من مواطني هذه الدول لا يزال يسعى للعمل في القطاع العام، بينما يسدّ القطاع الخاص معظم احتياجاته للعمالة من خلال الوافدين. غير أن هذا الوضع ينبغي أن يتغير لأن توفير فرص عمل لأعداد السكان المتزايدة ممن يبلغون سن العمل يمثل تحديا أساسيا أمام السياسات في معظم دول المجلس. وتشير التقديرات إلى أن القوى العاملة الوطنية في مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تنمو بمقدار 1.5 - 2 مليون نسمة على مدى الخمس سنوات القادمة. ورغم ما يتخذ من إجراءات في سوق العمل لتشجيع عمل المواطنين في القطاع الخاص، فقد كان النجاح متفاوتا في هذه الجهود ومن المرجح أن يصبح تكثيفها أمرا ضروريا. وينبغي زيادة الاستثمار في التعليم وتطوير المهارات لضمان تأهل هؤلاء المواطنين للعمل في القطاع الخاص، مع ضرورة تغيير الحوافز المتاحة حتى تصبح ريادة الأعمال والقطاع الخاص هي المفضلة لدى الباحثين عن فرص العمل وليس التوظيف في القطاع العام. أما الشركات فينبغي أن تقدم من الحوافز ما يكفل انضمام نسبة متزايدة من العمالة الوطنية إلى قوتها العاملة. وتعد دول مجلس التعاون الخليجي أطرافا فاعلة مهمة أيضا على المستوى الإقليمي، وأي تطور في مصائرها يؤثر على المنطقة بأسرها، سواء من خلال تحويلات العاملين، أو المساعدات المالية، أو حتى من خلال الثقة بشأن الاستثمارات. وللسياسات في دول المجلس تداعيات محتملة على بلدان الجوار التي يواجه بعضها تحديات جسيمة بالفعل مع تصاعد الصراعات واحتدام النزاعات السياسية في الآونة الأخيرة. وهناك تحديات تحملها السنوات القادمة لدول مجلس التعاون الخليجي، إذ إن انخفاض أسعار النفط يتطلب ضبط أوضاع المالية العامة، وزيادة التركيز على إصلاحات سوق العمل والإصلاحات الهيكلية الأخرى لتحويل تركُّز النمو من القطاع العام إلى القطاع الخاص. ولن تكون هذه المهمة أمرا يسيرا، لكن النجاح فيها سيضع الأساس لنمو قوي يقوده القطاع الخاص، ويستمر إلى المستقبل، وينشئ ركيزة لادخار جانب من ثروات هذه البلدان للأجيال القادمة.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه