لا تجري كلمة «شيعة» على لساني، إلا اضطرارًا، وكذلك الحال بالطبع مع كلمة «سُنة» المقابلة لها، لأني على يقين، من أن إغراءنا خلال الفترة الأخيرة بترديد أي منهما، مقصود، وأن ما يعانيه أكثر من بلد عربي في الوقت الحالي، من أزمات سياسية، راجع في أغلبه إلى انسياقنا وراء ترديد الكلمتين، دون أن يكون ذلك مصحوبًا بالوعي الواجب، والكافي، بخطورة ما وراءهما! على مستوى مصر، مثلاً، كان هناك أمر مماثل، كأن يشير أحدهم، إلى فلان من الناس، ثم يقول ولو عن غير قصد، إن «فلان»، هذا، مسلم، ثم يشير آخر، إلى علان من الناس، ويقول ولو عن غير قصد كذلك، إن «علان» هذا، إنما هو قبطي! لقد كنت، ولا أزال طبعًا، أراها ضربًا من السخافة، أن تنظر إلى المرء، بحسب ديانته، أو أن تظل تفتش في بطاقته الشخصية، أو في خانة الديانة تحديدًا منها، عما إذا كان صاحبها مسلمًا أو قبطيًا.. إنه مصري، وكفى.. إنه مصري وفقط.. إنه مصري ولا شيء آخر.. لأنه لا أحد سوف يحاسب الإنسان على دينه سوى ربه، وبالتالي فلا شأن لك أنت بهذه القصة تمامًا.. إنها تخص الخالق وحده، وليس لأحد أن ينازعه سبحانه فيها. فإذا ما اتسعت دائرة النظر، تبين لنا، أن الأمر ذاته ينطبق على الموضوع الآخر، في طول دول الخليج العربي الست، وعرضها، وأنه من العيب أن يشار إلى شخص من المواطنين، هناك، على أنه شيعي، أو أن يشار إلى غيره، على أنه سُني.. عيب كبير أن يكون هذا، بين مواطنين بعضهم وبعض.. إن المواطن في السعودية مثلاً، هو في ظني سعودي وفقط.. وفي الكويت، هو كويتي وفقط.. وفي البحرين هو بحريني فقط.. وهكذا إلى سائر الدول الست! إن عقلي عاجز حتى الآن، عن استيعاب أن يكون الله تعالي عند الطرفين واحدًا، وأن يكون الرسول واحدًا، والكتاب السماوي واحدًا، ثم يقوم بينهما خلاف على أي شيء! وعندما وقع الاعتداء على حياة المصلين، في مسجد الإمام الصادق، في الكويت، يوم 9 رمضان، فإنني حزنت مرتين؛ مرة لأن اعتداء قد وقع على أبرياء لا ذنب لهم في شيء.. ثم مرة لأني تنبهت للمرة الأولى، إلى أن المسجد، كما قالت الأخبار يومها، هو من بين مساجد المسلمين الشيعة.. وقد ظللت أسأل نفسي بعدها بإلحاح، ولا أزال، عن السبب الذي يدعو هؤلاء في أي دولة خليجية، إلى أن يكون لهم مسجد، ثم يدعو أولئك، إلى أن يكون لهم مسجد، بينما الخالق عندهما معًا، واحد، وكذلك الكتاب، ثم الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.. ماذا أقوى من ذلك، يمكن أن يربط بين كل مسلم، وأخيه، فلا يكون بينهما نزاع، ولا خلاف، ولا شقاق في التفاصيل؟! وفي الجمعة التالية 16 رمضان، شهدت الكويت «صلاة جمعة موحدة» في المسجد الكبير، بحضور مصلين من شيعة البلد وسنته، بما يدل على أن الاثنين يمكن أن يصليا معًا، وأن يعبدا خالقهما معًا، وأن يناجيا السماء معًا، وأن يكونا يدًا واحدة.. لا أن يكونا يدين أبدًا. إن من بين الأشياء الطريفة، التي لا يزال مصريون يروونها إلى الآن، أن بعضهم كان إذا قرر أن يتوجه للعمل في بعض دول الخليج، في وقت من الأوقات، سأله أرباب العمل هناك عما إذا كان سُنيًا أم شيعيًا، وكان كل مصري يتلقى مثل هذا السؤال، يجيب بتلقائية: يعني إيه؟! وهو في إجابته هذه، لم يكن يمارس خُبثًا على السائل، ولا كان يتظاهر بأنه لا يعرف معنى السؤال كما قد يبدو، ولا كان يهرب منه، ولكنه كان لا يعرف الإجابة فعلاً، لأنه نشأ على أنه مسلم وفقط.. مسلم دون أي زيادة.. مسلم بغير أي تفاصيل.. مسلم دون أي استعداد للدخول في نقاش حول فطرة إسلامه، ونقائه، وصفائه.. مسلم خالص النية لخالق الكون وحده.. مسلم لا يبالي بكل الذين يجادلونه في أمر يخصه ولا يخرج عما بينه وبين ربه.. أمر لا يخرج عما بين الخالق والمخلوق، دون أي مساحة أخرى لأي طرف ثالث. إن «الجمعة الموحدة» لم تكن في الكويت وحدها، ولكنها كانت في اليوم نفسه، في البحرين أيضًا، وكم تمنيت لو أن دول الخليج، قد عممتها على مستوى عواصمها، فوقف المصلون إلى جوار بعضهم البعض، بوصفهم مسلمين وفقط، وبوصفهم مواطنين وفقط، أيًا كان اسم الوطن.. ومع ذلك، فلا تزال المسألة «ملحوقة» كما يقال، ولا يزال تكرارها في الإمكان، ولا يزال في مقدور حكومات الخليج، أن تدعو إلى جمعة موحدة فيما بعد رمضان.. أو إلى جمعتين.. أو إلى ثلاث.. لعل كل مواطن خليجي يترسخ في داخله، أن كل مواطن آخر على أرض بلده، هو الأقرب إليه، وأن رابطة الوطن لا تعلوها أي رابطة سواها، دون أن يكون في ذلك بالطبع، أي إقلال من شأن رابطة الدين، لأن هذه نفترض ابتداء، أنها موجودة، وأنها قائمة، وأنها واحدة، وهذا هو الأهم، وأنها أقوى من أن ينال منها أحد، أو أن يحاول تجزئتها لأنها بطبيعتها كذلك، لا تقبل القسمة على اثنين! يا أي مواطن خليجي.. رابطة الوطن في بلدك، هي الأبقى لك، لأنها حصنك في وجه أي خطر، يريد أن ينال منك، ويتظاهر بأنه معك! يا أي مواطن خليجي.. أو عربي بالإجمالي من بعده: كُن أذكى من أن تنطلي هذه اللعبة عليك! الشرق الأوسط