عبثاً يحاول أولئك الذين يستهينون بهيبة الدولة وحزمها وقوتها وقدرتها على اقتلاع الإرهاب؛ تلك النبتة الخبيثة التي ما إن تنبت حتى تؤذي من حولها فلا نملك إلا نزعها خارج ذلك الحقل وذاك المحيط، حتى نكف أذاها ونقطع دابرها. البيان الأمني الذي أعلن فيه إحباط محاولات تهديد أمن الدولة، واستهداف مواطنيها كشف عن ضبط أكثر من (400) إرهابي، وأشار إلى تعدد جنسياتهم التي ينتمون إليها، وهو أمر يعتمده "داعش" في الأصل، فهو تنظيم هجين، لا يعتمد على جنسية واحدة، ويحاول من خلال ذلك تشتيت أنظار مراقبيه، ومتعقبيه، وفاحصي حاله كتنظيم إرهابي. ثم إن "داعش" يعتمد على الخلايا العنقودية لتنفيذ مخططاته الإجرامية، وهو أمر شبيه بالورم السرطاني في جسم الإنسان، حيث يوظف الورم مجموعة خلايا تحيط به يستخدمها لنشر المرض دون أن تتأثر الخلية الأساسية بالدواء، لكن من شأن الضربات المتواصلة أن تجعل ذلك الورم يتداعى ويضعف ومن ثم ينهزم ويختفي. هذا الأمر يتطلب النفاذ إلى البنية التحتية التي يعتمدها التنظيم، وهي بنية يُعِد من خلالها العناصر، ويستقطبهم، ويجنّدهم، ويدعمهم لتنفيذ مخططاتها الإجرامية.. ولا شك أن الأرضية التي تنطلق منها بعض العناصر الإرهابية كشفت استخدامهم شبكات التواصل الاجتماعي كرافد مهم ورئيس للأعمال التخريبية، ولاصطياد العناصر التي تظهر عليها علامات التطرف والقابلة للانصياع للأوامر، وطاعتها، والتأثر السريع، لذا كان غالبية منفذي العمليات الإرهابية من صغار السن، وهو ما شهدناه في عملية مقتل رجل الأمن العقيد عبدالله الصفيان الذي اتضح بأن منفذها هو عبدالله الرشيد الذي يبلغ من العمر 19 سنة، ومن قبله صالح القشعمي مُنفذ عملية مسجد الإمام علي بن أبي طالب ببلدة القديح.. شبكات التواصل تتيح تجنيد العناصر وإدماجهم في هذه التنظيمات، والتواصل معهم، ومن ثم تنفيذ عملياتها التي تحقق من خلالها أهدافها الوحشية، التي يتضح من خلال البيان أنها تهدف إلى إشاعة الفتنة بين المواطنين باستهداف المساجد كما حدث في القديح والعنود وما خُطط له في جامع قوات الطوارئ، والتي كان الهدف منها أيضاً سقوط عدد كبير من الجرحى والقتلى بتحديد يوم الجمعة كيوم يجتمع فيه أكبر عدد من المصلين، إضافة إلى استهداف رجال الأمن، ولهذا غاية؛ فمن خلالها يُظهر التنظيم قدرته على الاصطدام برجال الأمن، ومن ثم زعزعة ثقة المواطنين بالمؤسسة الأمنية وقدرتها على ضبط الحالة الأمنية. إن قدرة رجال الأمن على النفاذ إلى البنية التحتية للتنظيم الإرهابي، وتفكيكها كانت أمراً ضرورياً ومؤثراً، بالرغم من صعوبته، إذ إن اتخاذ الشكل العنقودي للتنظيم يعني عدم وجود علاقة مباشرة بين الخلايا، وبالتالي سقوط عنصر إرهابي لا يعني بالضرورة القبض على كامل السلسلة الإرهابية، كما أن الفضاء الافتراضي يصعِّب من مهمة تفكيك تلك البنية حيث يختفي ويتوارى المحرضون وصائدو العناصر ومجندوهم خلف حسابات متعددة من الداخل والخارج في فضاء يموج بملايين المستخدمين. من الضروري اليوم أن ندرك بأن الجهد الأمني المبذول للقضاء على تنظيم "داعش" كبير ومستمر، لكن من الجدير القول بأن دور الأسرة والمجالس العائلية اليوم لا يقل أهمية عن دور وزارة الداخلية من جهة تفنيد وإزالة الأفكار المنحرفة والالتباسات الفكرية التي تعتري بعض أبنائها بسبب الانفتاح وما تحققه تكنولوجيا الاتصال التي يستغلها الإرهابيون من أجل بث سمومهم والطعن في الدول الإسلامية وشرعيتها وتكفير المجتمعات، ومن ثم استباحة دمائهم، وهذا يجعلنا ملزمين بالانتباه إلى أبنائنا ونوعية من يخالطون وماذا يتصفحون على الإنترنت وشبكات التواصل. يكشف البيان الذي أعلنته وزارة الداخلية يوم أمس، حجم الكيد لهذه البلاد، وأمنها وأهلها، فضخامة عدد أفراد الخلايا الإرهابية، وما ضبط بحوزتها، وحجم الإمكانات المعدة لتنفيذ المخطط التخريبي تجعلنا على يقين لا يقبل الشك أو اللبس بأن استقرارنا مستهدف لغايات زعزعة قوة الدولة وتماسكها في محيط عاصف وقلِق