قبل أسبوعين قام قائد حرس الحدود في منطقة عسير في السعودية اللوء الغامدي بزيارة أسرة أول شهيد في حملة «إعادة الأمل» سليمان المالكي، لمناسبة استقبال أسرة الشهيد مولوده الذي أطلق عليه اسم «عبدالرحمن»، بغرض الاطمئنان على الأسرة وعلى جميع شؤونها ومباركاً ومهنئاً بقدوم مولود الشهيد، وحاملاً مجموعة من الهدايا لعوائل الشهيد وابن الشهيد ومولود الشهيد، إضافة إلى قيقة المولود. هذه اللفتة الاجتماعية التي تأتي من «العسكر» تعطي مؤشراً لطبيعة العلاقة بين المؤسسة العسكرية السعودية والمجتمع ككل، العلاقة التي نشأت منذ إنشاء الجيش والقطاعات الأمنية على أسس تصالحية مسالمة، أولاً لأن القيادة السياسية في المملكة ليست قيادة قسرية أو استبدادية، فتستخدم الجيش لتركيع الشعب كما في كثير من دول العالم الثالث، وثانياً لأن أفراد السلك العسكري بجميع قطاعاته يشكلون نسيجاً وحدوياً، فهم من كل مناطق المملكة، ولم يكونوا يوماً من خاصة أحد أو من فئة معينة كما في بعض الدول العربية. أعرف عن الجيوش العربية ما نقرأ في الصحف والروايات، وأجد الجيشين في السعودية ومصر يتميزان بدور اجتماعي واضح، ولا يوجد تباين يمكن رصده بين المجتمعين العسكري والمدني، والاختلاط بينهما واضح، والعلاقات تتسم بروح وطنية عالية، وربما تكون هناك جيوش مماثلة في دول عربية أخرى أو دول من العالم الثالث لا أعرف عنها، لكن إخواننا المصريين الذين يعملون بين ظهرانينا أعطونا فكرة واضحة عن جيشهم، خصوصاً أن أغلبهم خدم فيه «إجبارياً». بتنا اليوم في السعودية نتطلع إلى مشروع للتجنيد الاختياري، كون المجتمع شاباً في أغلبه، وكوننا نعتقد أن الجيل الجديد بحاجة إلى مزيد من الشدة، أو التذكير بالشدة والصلابة التي كان عليها آباؤهم وأجدادهم، وفي ظني أن مثل هذا المشروع سيزيد من تكريس هذه العلاقة المنسجمة بين المجتمع العسكري وشقيقه المدني. في السعودية لم يعرف الجيش ولا المجتمع يوماً مصطلح التعبئة القومية، أولاً لحال السلم والتصالح الداخلي والخارجي، وثانياً لأن الحس الوحدوي الذي نشأت عليه الدولة السعودية العريقة نشأ في وجدان الجميع من دون شعارات زائفة، لأن مكتسبات الوحدة والانسجام كانت واضحة للعيان، ولأن القيادة السياسية منذ عهد الموحد طيب الله ثراه وهي تتبع سياسة الباب المفتوح، ولم تكن هناك حاجة لأي درع عسكرية تحمي القائد من الشعب، أو تحمي الشعب من فلول القائد كما شاهدنا في بعض الثورات العربية أو ما سمي بالربيع العربي. اليوم تبدو الحاجة ملحة للتجنيد في السعودية، ليس فقط بهدف عسكري بحت، على رغم أهميته في ظل أوضاع إقليمية قلقة، لكن أيضاً لأسباب اقتصادية واجتماعية، فالمؤسسة العسكرية السعودية ناجحة في الاكتفاء الذاتي من جميع المهن الفنية والتقنية نزولاً إلى مهن أصغر يفتقدها الشارع السعودي، أو هو افتقدها نتيجة الطفرات الاقتصادية. الجميل أن الشباب السعودي يحب العسكرية، ويمكن من خلالها إعادة صياغة علاقته بالإنتاجية والانضباط، وربما حتى تقوية حسه الاجتماعي، فاللفتة التي قام بها سلاح الحدود أعلاه هي وصف دقيق لنجاح السعودية في بناء جيش نبيل. جريدة الحياة