بعد التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني، راجت بين الساسة الأوروبيين والأميركيين فكرة الدفع بحوار بين السعودية وإيران لحل مشكلات المنطقة. ظاهر الاقتراح منطقي، فلو اتفق البلدان لكان ممكناً حل معظم مشكلات المنطقة، وبغض النظر عن التصريحات الإيرانية غير المشجعة، التي لا تزال محتقنة بعبارات «دعم محور المقاومة» و «المناضلين في المنطقة»، التي لا تعني غير الاستمرار في السياسة نفسها التي أدت إلى المواجهة مع المملكة، ولكن لنفترض أن الرياض استجابت لدعوة أصدقائها في الغرب وفتحت باباً للحوار مع طهران، فكيف سيمضي هذا الحوار؟ الإيرانيون يحبون الجدل، والمفاوضات الماراثونية، وكذلك التملص من الالتزامات، وفي حال إعلان السعودية الموافقة على حوار مباشر معها، سيهرع وزير خارجيتهم محمد ظريف إلى الرياض، ومعه 10 من الخبراء، من أساتذة في العلوم السياسية والاقتصاد ومؤرخين ومنظرين، مع كم هائل من الابتسامات والقبل، وحديث لا ينتهي عن «الوحدة الإسلامية»، بل حتى الدعاء والدموع، في الوقت ذاته لن تتوقف شحنات البراميل المتفجرة الإيرانية الصنع المرسلة الى نظامي بشار الأسد وحيدر العبادي، ولو استطاعوا لأرسلوا مثلها الى الحوثيين وصالح. الحل هو في دفعهم نحو هدف محدد، لا يحتمل إلا القبول أو الرفض، ليكن حارة ضيقة اسمها «الديموقراطية لسورية واليمن»، ثم بعدها تكون المصالحة التاريخية بين السعودية وإيران، فإما أن يقبلوا بالتفاوض هناك وإما أن ينتهي كل شيء ولا تبقى غير مواجهة تاريخية أيضاً. لو قال لهم رئيس الوفد السعودي المفاوض وزير الخارجية عادل الجبير، نريدكم أن توقفوا تدخلاتكم في المنطقة، لقالوا نحن لا نتدخل، نحن ندعم ثورة في اليمن ونظاماً شرعياً في سورية. لو قبل الجبير بمنطقهم التفاوضي ورد مفنداً أن الحوثيين ليسوا ثورة، وإنما انقلاب ألغى القوى اليمنية الأخرى، وأن بشار لم يعد نظاماً شرعياً، وشعبه يرفضه، فسيجادل الإيرانيون بأن الحوثيين ثورة شرعية، ويعرضون صوراً لحشود هائلة جمعوها في صنعاء قبل أسابيع في يوم القدس العالمي، الذي لا يحتفل به غيرهم مع أنصارهم، فيقول ظريف، وابتسامة تعلو محياه: «ماذا تسمي هذه يا أخي؟ هل يستطيع انقلاب مرفوض أن يجمع كل هذه الملايين»؟ ثم يتدخل عضو آخر في الوفد الإيراني، أستاذ في العلوم السياسية ويسأل: «ما هو تعريفك للنظام الشرعي»؟ ولو انجر السعوديون إلى منطقهم، وقدموا بعد يوم أو يومين دراسة مفصلة تتضمن التعريف الصحيح للنظام الشرعي وأدلة تثبت الانقلاب الحوثي، لقدم الإيرانيون ردهم بعد يوم آخر، وبينما تستمر هذه المفاوضات العقيمة، تصل شحنة ثانية وثالثة من البراميل المتفجرة لبشار، لتسقط ناراً وقتلاً على رؤوس أطفال ونساء في حلب ودرعا، في الوقت نفسه تأتي الأخبار بوصول مساعد وزير الخارجية الإيراني إلى موسكو لدفع الروس لتقديم قرار لمجلس الأمن يقضي برفع حصار التحالف عن مطارات وموانئ اليمن، «لتخفيف المعاناة الإنسانية عن المدنيين هناك»، في محاولة للالتفاف على النكسات العسكرية التي تعرضوا لها. هكذا هو التفاوض مع إيران، ولكن البلدين في حاجة إلى مصالحة حقيقية، فهما يندفعان نحو مواجهة ستضر بهما لا محالة إن استمر هذا «الشغب» الإيراني كما سماه عادل الجبير، فكيف يمكن استغلال الأجواء الإيجابية بالمصالحة التاريخية بين إيران والولايات المتحدة؟ وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في طريقه إلى جدة، ولعله سيحث السعودية على التفاوض مع إيران، فهم يريدون أن يغسلوا أيديهم من سلبيات الاتفاق الذي لم يعالج سياسة طهران التوسعية في المنطقة، ورضخوا لإصرارها على اتفاق نووي فقط. ولكن كما سبق القول، فإن التفاوض مع طهران عمل غير مريح ومجدٍ إذا كان في عموم المسائل. الأفضل هو دفعها إلى حارة ضيقة لا تحتمل خلافاً حولها، هي «حارة الديموقراطية» لحسم الصراع بين البلدين في اليمن وسورية، وتأجيل العراق على أساس أنها أصلاً في تلك الحارة ابتداء، فحكومة العبادي على عوارها وطائفيتها حكومة منتخبة. ستقول لهم السعودية: «إننا نقبل بتمكين الغالبية في البلدين من الحكم، مثلما قبلنا بتحكم الغالبية الشيعية الموالية لكم في العراق». سيحاول الإيراني التملص كعادته، ويقول: ما لكم وما للديموقراطية، أنتم لا تمارسون الديموقراطية فيكف تريدونها حلاً في سورية واليمن؟ الرد أن الحرب والفتنة وانهيار الدولة والنزاع على الحكم ليس في السعودية أو إيران، نحن دولة ملكية إسلامية مستقرة، وأنتم جمهورية إسلامية مستقرة، لنحافظ على استقرار بلدينا، ونلتزم بعدم التدخل في شؤون بعضنا البعض، لن نناقش عوار ديموقراطيتكم، ولن نتحدث عن أحداث 2009 في بلادكم، ولا عن المرشح المعتقل ابن النظام مير حسين موسوي وأنصاره الإصلاحيبن، هذه قضيتكم الداخلية، ولكن سورية واليمن جمهوريتان، يبدأ دستوراهما بأن الشعب هو مصدر السلطات، بالتالي لنوقف التدخل في البلدين، وليكن بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، يعاقب أية دولة ترسل سلاحاً أو ميليشيات، وينسحب «حزب الله» وكل الفصائل الشيعية التي أرسلتموها إلى هناك، وفي اليمن تهيأ الأجواء لانتخابات حرة، بانسحاب الحوثيين من المدن والثكنات العسكرية، ويطلق سراح المعتقلين، ويعود الرئيس الشرعي، وندعم معاً إرسال قوات حفظ سلام للبلدين، ولتشترك مع بلدينا كل الدول التي وقعت معكم اتفاق فيينا، فالانتخابات تحتاج إلى إعداد يستغرق عاماً أو أكثر في سورية، ودون ذلك في اليمن، نساعد ملايين السوريين في العودة إلى بلادهم، ومن لا يستطيع يصوت حيثما هو. وصفة سلم منطقية، تتفق مع روح المصالحة بين شيطاننا الأكبر (إيران) وشيطانكم الأكبر (الولايات المتحدة). في الغالب سيعودون إلى طبيعتهم الأولى، التملص، لكن نحاصرهم بقرارات أممية وبالاستمرار في سياسة الحزم والعزم، برفع مستوى الدعم للثورة السورية، ومؤازرة الأتراك، وحثهم على الوفاء بتعهداتهم بالتدخل في الشمال هناك، فلا يخف ضغطنا إلا أن نرى منهم استجابة لهذا المشروع، أما غير ذلك فهو الاستمرار في المواجهة الكبرى التي لا تحتمل أنصاف الحلول، فإما نحن بمشروعنا الديموقراطي التشاركي الذي يستوعب الجميع، وبناء شامنا ويمننا التعددي، وإما هم بمشروعهم الطائفي الضيق. من جريدة الحياة