هل نبحث عن رد عملي ومناسب لدور حكومة طهران في المنطقة العربية؟ هل نريد حقا أن نقوم بردة فعل قد تكون الأولى الملموسة الناعمة في سياسة الجزيرة العربية تجاه التدخلات الإيرانية؟ هل نخشى دور الجماعات والمليشيات في الشمال والآخذة دولها إلى مزيد من التآكل والصدأ والانهيار؟
هل نرغب بتناول وصفة طبية تكون بمثابة الكيماوي السعودي المقاوم للسرطان الفارسي؟ هل نريد من تلك الدول "التي تلعب بذيلها معنا" أن تعيد حساباتها وتعود إلى رشدها سريعا وتحت مظلة سياستنا؟ هل نطمح إلى أن تكون المكونات المسلحة في اليمن تأتي إلينا راغبة راغمة في التفاوض وليس العكس؟
إذا كانت الإجابة نعم وأظنها نعم من جميع السياسيين إلى المحللين إلى أبسط القراء، فهو أمر جيد إلا أن الإجابة بنعم لن تأتي بجديد، فهذه الرغبة باتت موجودة على الطاولة منذ أكثر من عشر سنين.
لقد فكرت مليا لماذا يتأخر الإعلان عن الاتحاد الخليجي بالمعنى السياسي الحقيقي؟
وكانت الإجابة في نفسي دوما أن الاتحاد ليس بتلك السهولة التي نتوقعها! وهو أمر صحيح إلى حد كبير بالنظر إلى سياسات دول المجلس التي قد تتباين في بعض السياسات وتلتقي في بعضها. كما أن أي اتحاد سياسي حقيقي لا بد أن تسبقه الاتحادات الأخرى الداعمة والمهيأة له وهي الاتحاد الاقتصادي والاجتماعي الثقافي وما إلى ذلك. الأمر الذي أعزو إليه أنه أكبر المؤخرين لهذه العملية وهو توحيد العملة الخليجية. ومن وجهة نظري فهو الموضوع الأكبر تداولا في هذه المسألة، حيث معظم دول الخليج في قمة ثرواتها واقتصادها، كما أن معظم الدول الأعضاء تشعر بالتفوق في أحد الجوانب المالية والاقتصادية عن الأخرى.
لكن ما الذي يجعل أمرا كهذا قابلا للحل رغم الصعوبات؟ إنه بنظري يعود إلى الدوافع والمخاوف السياسية المتطورة كل يوم والتي باتت تلح وبقوة في إعلان هذا الاتحاد. وعلى الرغم من مشاكلنا في تباين السياسات الخارجية في المنطقة الإفريقية وبعض التوترات السابقة بين دول المجلس، إلا أن جميع الدول الأعضاء تكاد تتوحد في مسألتي اليمن والعراق، لأن هاذين الملفان توحدا في التهديد المشترك للأمن القومي للدول الأعضاء.
لقد شاهدنا جميعا كيف أن شعوب وحكام الدول الأعضاء لمجلس التعاون الخليجي اليوم في تناغم مستمر، فإجراءات التنقل الميسرة بين مواطني دول المجلس لسنوات عدة باتت تخبرنا عن أن الشعوب مهيأة كي تكتسب الاتحاد الاجتماعي والثقافي الذي توحده اللغة والطبيعة واللباس إلى حد كبير.
كما شاهد الجميع كيف أن القضية اليمنية في إعادة الحكومة المنتخبة وحدت الموقف السياسي والعسكري لدول المجلس، عدا عمان والكويت والتي تقودان عربة المفاوضات في هذا الجانب وهو الأمر المكمل لأي عمل عسكري بهذا الحجم.
إذن: أعود مرة أخرى لأقول إن الجوانب الاقتصادية المتنوعة كمقر البنك المركزي وفك الارتباطات وإعادتها بصيغة جديدة والديون والنظر إلى التجربة الكارثية التي قد تنتج عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي هي من العقبات المرهقة بلا شك. وإلى جانب ذلك، فيمكن أن تحل بعض تلك المسائل بتوزيع جوانب قوة الاتحاد على دول المجلس، فالرياض ستحمل القوة السياسية والعسكرية والدينية بلا شك، ولكن لها أيضا القدرة في تصدر القوة المالية، وفي المقابل فيمكن تقاسم القوى السياحية والثقافية والرياضية والإعلامية والتجارية بين الدول الأعضاء.
وبكل الأحوال، فالتعقيدات الاقتصادية وصعوباتها بين دول مجلس التعاون يجب ألا تفوق خسائرنا السياسية وصعوباتها التي قد تنتج عن عدم توحدنا.
وإن إعلان الاتحاد الخليجي على أن يشمل مملكة الأردن ومملكة المغرب في نواحيه السياسية هو دليلنا غدا الذي سيقود كثيرا من مشاكلنا إلى بر الأمان.
أقول هذا لأنني بكل بساطة فكرت بالطريقة المضادة لتلك التي تنتهجها حكومة طهران. فهم يعتمدون فكرة التفرقة والتشتيت لقوى دول المجلس من ناحية، ويعتمدون ويتقدمون نحو المزيد من التشتيت الأمني الاجتماعي الديموغرافي للدول المجاورة لدول المجلس من ناحية أخرى. الأمر الذي يدعونا للعمل على إعلان الاتحاد الداخلي الذي أسميه وهو اتحاد دول المجلس، يليه العمل على اكتساب ما يوفقنا إلى الاتحاد الخارجي لسياسات الجوار مع سياسات دول مجلس التعاون.
إن تركيا ومصر وإسرائيل سيلتقون يوما في مصالح المياه الدافئة بالمتوسط، والمملكة العربية السعودية والأردن ومصر، وإسرائيل من جهة سيلتقون يوما بمصالح البحر الأحمر، ودول المجلس والعراق سيلتقون يوما في مصالح الخليج العربي. وسنلتقي يوما مع إيران في مصالح الخليج العربي وبحر العرب.
وأما اليمن فهو بوضعه الحالي لا يمكن أن تلتقي مصالحه مع أحد لعدم توفر الاستقرار فيه أو بالأحرى قد تلتقي مصالحه مع الجميع من طرف واحد، الأمر الذي يدعو جميع الدول لعدم التفريط فيه كي يستطيعوا رسم مصالح المرحلة المقبلة، وقد نجحنا في كسب ذلك إلى حد كبير حتى الآن.
ولهذا: فإعلان الاتحاد سيجعل مصالحنا تلتقي بصورة أكثر ثقلا وديناميكية، وسيوسع الفارق مع الأعداء، ويقلص بَدَهِيّا المجال التنافسي مع دول الجوار، ويفتح المجال للمصالح الجديدة المشتركة مع الآخرين.
أخيرا: ستكون القمة المهمة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال السادس والسابع من ديسمبر الحالي بالبحرين، وهي رسالة مهمة من المنامة التي ستجمع قادة دول مجلس التعاون بالإضافة لرئيسة الحكومة البريطانية. ويبقى السؤال: هل ستعلنها المنامة هذه المرة لتكتمل الرسالة؟
كاتب سياسي مقيم في الولايات المتحدة