الحياة - الديموقراطيةهي أكثر فعل تتم ممارسته في العالم الغربي، وهي أكثر قول يتم ترديده في العالم العربي
وقد ظل الإنسان العربي، منذ أن تعرّف إلى هذه المفردة «اللعوب» قبل عقود، يتوق إلى مزاولتها وتجريبها.
خاضت الدول العربية تجارب محدودة في مزاولة هذه «اللعبة» السياسية. البعض تراجع وانسحب منذ الأيام الأولى، البعض الآخر استغنى عن الديموقراطية الجاهزة بديموقراطية «تفصيل»، بحيث تكون مقاساتها ملائمة لمتطلبات رؤساء (جمهوريات الفوز).
تجربتان عربيتان ظلتا نموذجاً لمن يتوق إلى مشاهدة تجربة ديموقراطية في أرض العرب: الكويت ولبنان. وكان كل من أراد أن يثبت بأن العرب يمكن أن يكونوا ديموقراطيين يشير إلى تجربتي جمهورية لبنان ودولة الكويت.
لكن الفرحة بهذين النموذجين لم تدم طويلاً، إذ كانا يتشوهان دوماً بالتجاذبات والتلاعبات.. القبلية والطائفية، حتى أوصلتهما إلى ما هما فيه الآن.
فديموقراطية الطوائف جعلت لبنان، البلد المتمدن، دولةً بلا رئيس، منذ أكثر من عامين بسبب لعبة التجاذبات الانتخابية!
وديموقراطية القبائل جعلت الكويت التي كانت في الستينيات أيقونة التقدم الخليجي، شبه متوقفة عن أي تنمية، بسبب انشغالها بلعبة استجوابات مجلس الأمة!
ما الجديد الآن؟!
الجديد، أن الكويت لم تعد ديموقراطيتها متورطة بالمأزق القبلي فقط، كما كانت لسنوات مضت، بل أضافت إليها المأزق الطائفي الأشد ضراوة وعنفاً. ففي زيارة سابقة لي إلى الكويت، كانت المحاصصة القبلية هي التي تهيمن على أحاديث الديوانيات الكويتية العامرة بالنقاشات. لكن في زيارتي الحديثة، كان النفَس النقاشي أكثر دخاناً وعتمة، إذ اجتمع فيه قَشّ القبلية مع جذوة الطائفية، فكان المناخ المناسب لاشتعال الحرائق المجتمعية.
لا أظنني في حاجة لأن أصف لكم المشهد حين يتفق الطائفي والقبلي على الالتقاء في مكان واحد للعبث بحرية الإنسان وكرامته ونبالته، فيتحول من إنسان متحضر إلى بدائي متأهب للقتال والتناحر دوماً.
من المسؤول عن الفشل الديموقراطي في منطقتنا: المجتمع العربي أم الديموقراطية «الغربية»؟!
أضع هذا السؤال عمداً، لأنطلق منه إلى سؤال أوسع يتعلق بملاءمة الديموقراطية، وفق أنساقها الغربية التي ترعرعت فيها، لبلداننا ومجتمعاتنا وثقافتنا؟
هل اشتغلنا على الديموقراطية التي استجلبناها في علبة مغلقة، فأجرينا عليها تطويراً وتعديلاً يتلاءم مع نظام التشغيل عندنا، كما صنعت تركيا والهند وماليزيا وجنوب أفريقيا في إعادة تصنيع ديموقراطياتها؟
وأختم بسؤال ديموقراطي:
هل السبيل الوحيد للعيش الرغيد للإنسان في هذا الكون هو في اعتماده على نظام تشغيل سياسي موحَّد، وحيد وإلزامي؟!